وَلم تكن هَذِه التَّسْوِيَة الا وقتية فان مُحَمَّد عَليّ باشا لم يقبل بهَا الا خوفًا من اجبار الدولة لَهُ على ترك فتوحاته مَعَ كَونه عَازِمًا على تتميم مشروعه وَهُوَ الِاسْتِقْلَال التَّام عِنْد سنوح الفرصة وَكَذَلِكَ لم يقبل السُّلْطَان مَحْمُود بهَا الا لتفريق جيوشه وَعدم امكانه صد هجمات ابراهيم باشا عَن الاستانة الا بمساعدة الروسيا الامر الَّذِي سعى فِي تلافيه بابرام هَذِه المعاهدة حَتَّى إِذا استعد لاسترداد مَا فقد كرها اغار على بِلَاد الشَّام وَجعل مصر ولَايَة عثمانية بِدُونِ اقل امتياز
وَلما كَانَت هَذِه افكار كل فريق مِنْهُمَا كَانَ لَا بُد من اشتعال نَار الْحَرْب بَينهمَا ثَانِيَة عَاجلا اَوْ آجلا وَلَقَد كَانَ من اهم دواعي اسْتِئْنَاف هَذِه الحروب عصيان اهل الشَّام على مُحَمَّد عَليّ باشا ومعاملته اياهم بِكُل صرامة لاخضاعهم لسلطانه ثمَّ عصيان الدروز وامدادهم بِالْمَالِ وَالسِّلَاح من الْخَارِج سرا لاضعاف شوكته وَفِي اثناء ذَلِك فاتح مُحَمَّد عَليّ باشا بعض وكلاء الدول بِمصْر بِأَنَّهُ يرغب ان تكون مصر وَالشَّام وبلاد الْعَرَب لَهُ ولاولاده من بعده فأبلغ الوكلاء ذَلِك لدولهم وَهِي خابرت الدولة الْعلية بذلك بكيفيات مُخْتَلفَة فعضدت فرنسا مطالبه وَحسنت لَهُ الدول الاخرى محاربته بِكُل شدَّة واخضاعه خوفًا من تطلعه إِلَى غير مَا فِي يَده من الاقاليم ولتغلب نُفُوذ سفير فرنسا قبل الْبَاب العالي ارسال مَنْدُوب من طرفه إِلَى مُحَمَّد عَليّ باشا للاتفاق على حل مرض للطرفين وارسل إِلَى مصر من يدعى سارين افندي اُحْدُ موظفي الخارجية فَأتى هَذَا الْمَنْدُوب إِلَى مصر فِي غُضُون سنة ١٢٥٣ سنة ١٨٣٧ وقابله واليها بِكُل تَجِلَّةً واكرام
وَبعد مداولات طَوِيلَة اتفقَا على ان تُعْطى لَهُ ولايتي مصر وَالْعرب ارثا لاولاده وبلاد الشَّام إِلَى جبال طوروس مُدَّة حَيَاته وَعَاد سارين افندي إِلَى الاستانة بِهَذَا الْوِفَاق فَلم يقبله الْبَاب العالي بل اصر على ان تكون جبال طوروس ومفاوزها فِي ايدي العثمانيين لَا المصريين وصمم مُحَمَّد عَليّ باشا على عكس ذَلِك بِمَا ان هَذِه المفاوز بِمَثَابَة ابواب لبلاد الشَّام بأجمعها فَلَو احتلتها الدولة الْعلية امكنها الاغارة على بر الشَّام فِي أَي وَقت ارادت