وَالِده موفق الدّين صديقا لي مستمرا فِي تَأْكِيد مودته حَافِظًا لَهَا طول أَيَّامه ومدته تستحلى نفائس مُجَالَسَته وتستجلى عرائس مؤانسته ألمعي أَوَانه وأصمعي زَمَانه جيد الْحِفْظ للأشعار عَلامَة فِي نقل التواريخ وَالْأَخْبَار متميز فِي علم الْعَرَبيَّة فَاضل فِي الْفُنُون الأدبية
قد اشْتَمَل فِي الْكِتَابَة على أُصُولهَا وفروعها وَبلغ الْغَايَة من بعيدها وبديعها
وَله الْخط الْمَنْسُوب الَّذِي هُوَ نزهة الْأَبْصَار وَلَا يلْحقهُ كَاتب فِي سَائِر الأقطار والأمصار
كَانَ فِي أَيَّام الْملك النَّاصِر يُوسُف بن مُحَمَّد كَاتبا بصرخد عَاملا فِي ديوَان الْبر
وَكَانَ وَلَده هَذَا أَبُو الْفرج تتبين فِيهِ النجابة من صغره كَمَا تحققت فِي كبره حسن السمت كثير الصمت وافر الذكاء محبا لسيرة الْعلمَاء فقصد أَبوهُ تعلميه الطِّبّ فَسَأَلَنِي ذَلِك فلازمني حَتَّى حفظ الْكتب الأولة المتداول حفظهَا فِي صناعَة الطِّبّ كمسائل حنين والفصول لأبقراط وتقدمة الْمعرفَة لَهُ وَعرف شرح مَعَانِيهَا وَفهم قَوَاعِد مبانيها
وَقَرَأَ عَليّ بعد ذَلِك فِي العلاج من كتب أبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ
مَا عرف بِهِ أَقسَام الأسقام وجسيم الْعِلَل فِي الْأَجْسَام وَتحقّق معاجلة المعالجة ومعاناة المداواة
وعرفته أصُول ذَلِك وفصوله وفهمته غوامضه ومحصوله
ثمَّ انْتقل أَبوهُ إِلَى دمشق المحروسة وخدم بهَا فِي الدِّيوَان السَّامِي وَسَار وَلَده مَعَه ولازم جمَاعَة من الْفُضَلَاء
فَقَرَأَ فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة والأجزاء الفلسفية على الشَّيْخ شمس الدّين عبد الحميد الخسروشاهي وعَلى عز الدّين الْحسن الغنوي الضَّرِير
وَقَرَأَ أَيْضا فِي صناعَة الطِّبّ على الْحَكِيم نجم الدّين بن المنفاخ وعَلى موفق الدّين يَعْقُوب السامري
وَقَرَأَ أَيْضا كتاب أوقليدس على الشَّيْخ مؤيد الدّين العرضي وَفهم هَذَا الْكتاب فهما فتح بِهِ مقفل أَقْوَاله وَحل مُشكل أشكاله
وخدم أَبُو الْفرج بن القف بصناعة الطِّبّ فِي قلعة عجلون وَأقَام بهَا عدَّة سِنِين
ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وخدم فِي قلعتها المحروسة لمعالجة المرضى وَهُوَ مَحْمُود فِي أَفعاله مشكور فِي سَائِر أَحْوَاله
وَله من الْكتب كتاب الشافي فِي الطِّبّ
شرح الكليات من كتاب القانون لِابْنِ سينا سِتّ مجلدات
شرح الْفُصُول كتابين مقَالَة فِي حفظ الصِّحَّة
كتاب الْعُمْدَة فِي صناعَة الْجراح عشْرين مقَالَة علم وَعمل يذكر فِيهِ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الجرائحي بِحَيْثُ لَا يحْتَاج إِلَى غَيره
كتاب جَامع الْغَرَض مُجَلد وَاحِد
حواش على ثَالِث القانون لم يُوجد
شرح الإشارات مسودة وَلم يتم
المباحث المغربية وَلم تتمّ
توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَالله أعلم