يكون عمرك خمْسا وَعشْرين سنة
قَالَ القَاضِي أَبُو مَرْوَان فَلَمَّا قصّ عَليّ هَذِه الرُّؤْيَا قلت لَهُ لَا تتوهم من هَذَا فَلَعَلَّهُ من أضغاث أَحْلَام
قَالَ وَلم تكمل تِلْكَ السّنة إِلَّا وَقد مَاتَ فَكَانَ عمره كَمَا قيل لَهُ خمْسا وَعشْرين سنة لَا أَزِيد وَلَا أنقص وَخلف وَلدين كل مِنْهُمَا فَاضل فِي نَفسه كريم فِي جنسه
أَحدهمَا يُسمى أَبَا مَرْوَان عبد الْملك وَالْآخر أَبَا الْعَلَاء مُحَمَّد والأصغر مِنْهُمَا وَهُوَ أَبُو الْعَلَاء معتن بصناعة الطِّبّ وَله نظر جيد فِي كتب جالنوس
وَكَانَ مقامهما فِي أشبيلية
أَبُو جَعْفَر بن هَارُون الترجالي
من أَعْيَان أهل أشبيلية وَكَانَ محققا للعلوم الْحكمِيَّة متقنا لَهَا معتنيا بكتب أرسطوطاليس وَغَيره من الْحُكَمَاء الْمُتَقَدِّمين فَاضلا فِي صناعَة الطِّبّ متميزا فِيهَا خَبِيرا بأصولها وفروعها حسن المعالجة مَحْمُود الطَّرِيقَة
وخدم لأبي يَعْقُوب وَالِد الْمَنْصُور
وَكَانَ من طلبة الْفَقِيه أبي بكر بن الْعَرَبِيّ لَازمه مُدَّة واشتغل عَلَيْهِ بِعلم الحَدِيث
وَكَانَ أَبُو جَعْفَر بن هَارُون يروي الحَدِيث وَهُوَ شيخ أبي الْوَلِيد بن رشد فِي التعاليم والطب وَأَصله من ترجالة من ثغور الأندلس
وَهِي الَّتِي أَصَابَهَا الْمَنْصُور خَالِيَة وهرب أَهلهَا وعمرها الْمُسلمُونَ
وَكَانَ أَبُو جَعْفَر هَارُون أَيْضا عَالما بصناعة الْكحل وَله آثَار فاضلة فِي المداواة
حَدثنِي القَاضِي أَبُو مَرْوَان مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك اللَّخْمِيّ ثمَّ الْبَاجِيّ أَن أَخَاهُ القَاضِي أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد لما كَانَ صَغِيرا أصَاب عينه عود واخترق السوَاد حَتَّى أَنه يئس لَهُ من الْبُرْء فاستدعى أَبوهُ أَبَا جَعْفَر بن هَارُون وَأرَاهُ عين وَلَده وَقَالَ لَهُ أَنا أدفَع لَك ثلثمِائة دِينَار وتعالجها
فَقَالَ وَالله مَا حَاجَة إِلَى هَذَا الَّذِي ذكرته وَإِنَّمَا أداويه وَيصْلح إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَشرع فِي مداواته إِلَى أَن صلحت عينه وابصر بهَا وَأصَاب ابْن هَارُون خدر وَضعف فِي أَعْضَائِهِ فالتزم دَاره بأشبيلية وَكَانَ يطب النَّاس وَتُوفِّي بأشبيلية
أَبُو الْوَلِيد بن رشد
هُوَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن رشد مولده ومنشؤه بقرطبة مَشْهُور بِالْفَضْلِ معتن بتحصيل الْعُلُوم أوحد فِي علم الْفِقْه وَالْخلاف واشتغل على الْفَقِيه الْحَافِظ أبي مُحَمَّد بن رزق
وَكَانَ أَيْضا متميزا فِي علم الطِّبّ وَهُوَ جيد التصنيف حسن الْمعَانِي
وَله فِي الطِّبّ كتاب الكليات وَقد أَجَاد فِي تأليفه
وَكَانَ بَينه وَبَين أبي مَرْوَان بن زهر مَوَدَّة
وَلما ألف كِتَابه هَذَا فِي الْأُمُور الْكُلية قصد من ابْن زهر أَن يؤلف كتابا فِي الْأُمُور الْجُزْئِيَّة لتَكون جملَة كِتَابَيْهِمَا ككتاب كَامِل فِي صناعَة