تحتاني أنطاكي ولباس دمياطي وَفِيه تكة إبريسم وصرة فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارا وَقَالَ لَهُ أُرِيد من أنعام مَوْلَانَا يلبس هَذِه الثِّيَاب وأراها عَلَيْهِ وَهَذِه الْخَمْسُونَ دِينَارا برسم الْحمام وَأعْطى الْحَاجِب جُبَّة عتابي وَعشْرين دِينَارا وَأعْطى الدواتي جُبَّة عتابي وَخَمْسَة دَنَانِير وَأعْطى الركابي دينارين وَقَالَ اسْأَل مَوْلَانَا أَن يشرف الْخَادِم بِقبُول ذَلِك
فَمضى الْحَاجِب بِالْجَمِيعِ إِلَى ابْن المعوج وَشرح لَهُ الْحَال فَقبله مِنْهُ
أَبُو طَاهِر بن البرخشي
هُوَ موفق الدّين أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس يعرف بِابْن البرخشي من أهل وَاسِط
فَاضل فِي الصِّنَاعَة الطبية كَامِل فِي الْفُنُون الأدبية
وَقد رَأَيْت من خطه مَا يدل على رزانة عقله وغزارة فَضله وَكَانَ فِي أَيَّام المسترشد بِاللَّه
حَدثنِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْكَرِيم الْبَغْدَادِيّ قَالَ حَدثنِي أَحْمد بن بدر الوَاسِطِيّ قَالَ كَانَ الْحَكِيم أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد البرخشي بواسط يعالج مَرِيضا بِهِ أحد أَنْوَاع الاسْتِسْقَاء فطال بِهِ الْمَرَض وَلم ينجع فِيهِ علاج وَعبر حد الحمية فسهل لَهُ فِي اسْتِعْمَال مهما طلبته النَّفس ومالت إِلَيْهِ الطبيعة من المآكل والأغذية
فَأطلق الْمَرِيض يَده ثمَّ أكل مَا تهَيَّأ لَهُ
فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام اجتاز بِهِ إِنْسَان يَبِيع الْجَرَاد المسلوق فِي المَاء وَالْملح
فمالت إِلَيْهِ نفس الْمَرِيض فَطَلَبه ثمَّ اشْترى مِنْهُ وَأكل فَعرض لَهُ من ذَلِك إسهال مفرط وَانْقطع الْحَكِيم عَنهُ لما رأى بِهِ من الإفراط فِي الإسهال
ثمَّ أَفَاق مِنْهُ بعد أَيَّام وَأخذ المزاج فِي الصّلاح وابتدأ بِهِ الْبُرْء وتدرجت حَاله إِلَى كَمَال الصِّحَّة والحكيم قد أيس من صَلَاحه
فَلَمَّا علم الْحَال أَتَاهُ وَسَأَلَهُ عَمَّا اسْتعْمل ومم وجد الْخُف فَقَالَ لَا أعرف إِلَّا أنني مُنْذُ أكلت الْجَرَاد المسلوق شرعت فِي الْعَافِيَة
ففكر الْحَكِيم فِي ذَلِك طَويلا ثمَّ قَالَ لَيْسَ هَذَا من فعل الْجَرَاد وَلَا من خاصته
وَسَأَلَ الْمَرِيض عَن بَائِع الْجَرَاد فَقَالَ لَا أعلم بمكانه وَلَكِنِّي إِن رَأَيْته عَرفته
فشرع الْحَكِيم فِي الْبَحْث وَالسُّؤَال عَن كل من يَبِيع الْجَرَاد وَهُوَ يحضرهُ إِلَى الْمَرِيض وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَّا أَن عرف صَاحبه الَّذِي اشْترى مِنْهُ
فَقَالَ لَهُ الْحَكِيم أتعرف الْموضع الَّذِي صدت مِنْهُ الْجَرَاد الَّذِي أكل مِنْهُ هَذَا الْمَرِيض قَالَ نعم
قَالَ امْضِ بِنَا إِلَيْهِ
فمضيا جَمِيعًا إِلَى الْمَكَان وَإِذا هُنَاكَ حشيشة يرعاها الْجَرَاد
فَأخذ الْحَكِيم من تِلْكَ الحشيشة ثمَّ كَانَ يداوي بهَا من الاسْتِسْقَاء وَأَبْرَأ بهَا جمَاعَة من هَذَا الْمَرَض وَذَلِكَ مَعْرُوف مَشْهُور بواسط
أَقُول وَهَذِه هِيَ حِكَايَة قديمَة قد جرى ذكرهَا وَإِن تِلْكَ الحشيشة الَّتِي كَانَ الْجَرَاد يرعاها هِيَ