وَغَيرهمَا وجمعوا خمسين دِينَارا واشتروا مِنْهُ شربة من ذَلِك الدَّوَاء وَانْفَرَدَ كل وَاحِد مِنْهُم بِجُزْء يشمه ويذوقه وَيكْتب مَا تأدى إِلَيْهِ مِنْهُ بحسه
ثمَّ اجْتَمعُوا وَاتَّفَقُوا على مَا حدسوه وَكَتَبُوا ذَلِك
ثمَّ نهضوا إِلَى الْحَرَّانِي وَقَالُوا لَهُ قد نفعك الله بِهَذَا الدَّوَاء الَّذِي انْفَرَدت بِهِ وَنحن أطباء اشترينا مِنْك شربة وَفعلنَا كَذَا وَكَذَا وتأدى إِلَيْنَا كَذَا وَكَذَا وَكَذَا فَإِن يكن مَا تأدى إِلَيْنَا حَقًا فقد أصبْنَا وَإِلَّا فأشركنا فِي علمه فقد انتفعت
فاستعرض كِتَابهمْ فَقَالَ مَا أعديتم من أدويته دَوَاء لَكِن لم تصيبوا تَعْدِيل أوزانه
وَهُوَ الدَّوَاء الْمَعْرُوف بالمغيث الْكَبِير فَأَشْركهُمْ فِي علمه وَعرف من حِينَئِذٍ بالأندلس
أَحْمد وَعمر ابْنا يُونُس بن أَحْمد الْحَرَّانِي
رحلا إِلَى الْمشرق فِي دولة النَّاصِر فِي سنة ثَلَاثِينَ وثلثمائة وَأَقَامَا هُنَالك عشرَة أَعْوَام ودخلا بَغْدَاد وقرآ فِيهَا على ثَابت بن سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة الصَّابِئ كتب جالينوس عرضا وخدما ابْن وصيف فِي عمل علل الْعين وانصرفا إِلَى الأندلس فِي دولة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَذَلِكَ فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وثلثمائة وغزوا مَعَه غَزَوَاته إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وانصرفا وألحقهما فِي خدمته بالطب واسكنهما مَدِينَة الزهراء واستخلصهما لنَفسِهِ دون غَيرهمَا مِمَّن كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت من الْأَطِبَّاء
وَمَات عمر بعلة الْمعدة ورمت لَهُ فَلحقه ذبول من أجلهَا وَمَات وَبَقِي أَحْمد مستخلصا
وَأَسْكَنَهُ الْمُسْتَنْصر فِي قصره بِمَدِينَة الزهراء وَكَانَ لطيف الْمحل عِنْده أَمينا مؤتمنا يطلعه على الْعِيَال والكرائم
وَكَانَ رجلا حَلِيمًا صَحِيح الْعقل عَالما بِمَا شَاهد علاجه وَرَآهُ عيَانًا بالمشرق
وَتوجه عِنْد الْمُسْتَنْصر بِاللَّه لِأَن الْمُسْتَنْصر كَانَ نهما فِي الْأكل وَكَانَ يحدث لَهُ فِي أكله تخمة لِكَثْرَة مَا كَانَ يتَنَاوَل من الْأكل وَكَانَ يصنع لَهُ الجوارشنات الحادة العجيبة وَكَانَ وَافقه فِي ذَلِك مُوَافقَة وَأفَاد مَالا عَظِيما
وَكَانَ ألكن اللِّسَان رَدِيء الْخط لَا يُقيم هجاء حُرُوف كِتَابه
وَكَانَ بَصيرًا بالأدوية المفردة وصانعا للأشربة والمعجونات ومعالجا لما وقف عَلَيْهِ
قَالَ ابْن جلجل وَرَأَيْت لَهُ اثْنَي عشر صَبيا صقالبة طباخين للأشربة صناعين للمعجونات بَين يَدَيْهِ
وَكَانَ قد اسْتَأْذن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُسْتَنْصر أَن يُعْطي مِنْهَا من احْتَاجَ من الْمَسَاكِين والمرضى فأباح لَهُ ذَلِك
وَكَانَ يداوي الْعين مداواة نفيسة
وَله بقرطبة آثَار فِي ذَلِك
وَكَانَ يواسي بِعِلْمِهِ صديقه وجاره وَالْمَسَاكِين والضعفاء
وولاه هِشَام الْمُؤَيد بِاللَّه خطة الشرطة وخطة السُّوق
وَمَات بحمى الرّبع وَعلة الإسهال
وَخلف عَمَّا قِيمَته أَزِيد من مائَة ألف دِينَار