للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بدر الدّين ابْن قَاضِي بعلبك

هُوَ الْحَكِيم الْأَجَل الْعَالم الْكَامِل بدر الدّين المظفر ابْن القَاضِي الإِمَام الْعَالم مجد الدّين عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم

كَانَ وَالِده قَاضِيا ببعلبك وَنَشَأ هُوَ بِدِمَشْق واشتغل بهَا فِي صناعَة الطِّبّ

وَقد جمع الله فِيهِ من الْعلم الغزير والذكاء المفرط والمروءة الْكَثِيرَة مَا تعجز الألسن عَن وَصفه

قَرَأَ صناعَة الطِّبّ على شَيخنَا الْحَكِيم مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ رَحمَه الله وأتقنها فِي أسْرع الْأَوْقَات

وَبلغ فِي الْجُزْء العلمي والعملي مِنْهَا إِلَى الغايات وَله همة عالية فِي الِاشْتِغَال وَنَفس جَامِعَة لمحاسن الْخلال

وَوجدت لَهُ فِي أَوْقَات اشْتِغَاله من الِاجْتِهَاد مَا لَيْسَ لغيره من المشتغلين وَلَا يقدر عَلَيْهِ سواهُ أحد من المتطببين كَانَ لَا يخلي وقتا من التزيد فِي الْعلم والعناية فِي المطالعة والفهم

وَحفظ كثيرا من الْكتب الطبية والمصنفات الْحكمِيَّة

وَمِمَّا شاهدته من علو همته وجودة قريحته أَن الشَّيْخ مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ كَانَ قد صنف مقَالَة فِي الاستفراغ وَقرأَهَا عَلَيْهِ كل وَاحِد من تلامذته

وَأما هُوَ فَإِنَّهُ شرع فِي حفظهَا وَقرأَهَا عَلَيْهِ من خاطره غَائِبا من أَولهَا إِلَى آخرهَا

فأعجب الشَّيْخ مهذب الدّين ذَلِك مِنْهُ

وَكَانَ ملازما لَهُ مواظبا على الْقِرَاءَة والدرس

وَلما خدم الشَّيْخ مهذب الدّين الْأَشْرَف مُوسَى ابْن الْملك الْعَادِل وَكَانَ فِي بِلَاد الشرق وسافر الْحَكِيم مهذب الدّين إِلَى خدمته وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة توجه الْحَكِيم بدر الدّين مَعَ الشَّيْخ مهذب الدّين وَلم يقطع الِاشْتِغَال عَلَيْهِ

ثمَّ خدم الْحَكِيم بدر الدّين بالرقة فِي البيمارستان الَّذِي بهَا وصنف مقَالَة حَسَنَة فِي مزاج الرقة وأحوال أهويتها وَمَا يغلب عَلَيْهَا

وَأقَام بهَا سِنِين واشتغل بهَا فِي الْحِكْمَة على زين الدّين الْأَعْمَى رَحمَه الله

وَكَانَ إِمَامًا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة

ثمَّ أَتَى بدر الدّين إِلَى دمشق

وَلما تملك الْملك الْجواد مظفر الدّين يُونُس بن شمس الدّين مودود ابْن الْملك الْعَادِل دمشق وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة استخدمه وَكَانَ حظيا عِنْده مكينا فِي دولته مُعْتَمدًا عَلَيْهِ فِي صناعَة الطِّبّ وولاه الرياسة على جَمِيع الْأَطِبَّاء والكحالين والجرائحيين

وَكتب لَهُ منشورا بذلك فِي شهر صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فجدد من محَاسِن الطِّبّ مَا درس وَأعَاد من الْفَضَائِل مَا دثر وَذَلِكَ أَنه لم يزل محبا لفعل الْخيرَات مفكرا فِي الْمصَالح فِي سَائِر الْأَوْقَات

وَمِمَّا وجدته قد صنعه من الْآثَار الْحَسَنَة الَّتِي تبقى مدى الْأَيَّام ونال بهَا من المثوبة أوفر الْأَقْسَام أَنه لم يزل مُجْتَهدا حَتَّى اشْترى دورا كَثِيرَة ملاصقة للبيمارستان الْكَبِير الَّذِي أنشأه وَوَقفه الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي رَحمَه الله

وتعب فِي ذَلِك تعبا كثيرا واجتهد بِنَفسِهِ وَمَاله حَتَّى أضَاف هَذِه الدّور الْمُشْتَرَاة إِلَيْهِ وَجعلهَا من جملَته وَكبر بهَا قاعات كَانَت صَغِيرَة للمرضى وبناها أحسن الْبناء وشيدها وَجعل المَاء فِيهَا جَارِيا فتكمل بهَا البيمارستان وَأحسن فِي فعله ذَلِك غَايَة الْإِحْسَان وَلم يزل يدرس صناعَة الطِّبّ

وخدم أَيْضا الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل لمداواة الأدر السعيدة بقلعة دمشق وَمن يلوذ بهَا والتردد إِلَيّ البيمارستان ومعالجة المرضى فِيهِ وَكتب لَهُ منشورا برياسنه أَيْضا على جَمِيع الْأَطِبَّاء وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة

<<  <   >  >>