مَرْوَان عبد الْملك بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن زهر
كَانَ جيد الْفطْرَة حسن الرَّأْي جميل الصُّورَة مفرط الذكاء مَحْمُود الطَّرِيقَة محبا للبس الفاخر
وَكَانَ كثير الاعتناء بصناعة الطِّبّ وَالنَّظَر فِيهَا وَالتَّحْقِيق لمعانيها
واشتغل على وَالِده وَوَقفه على كثير من أسرار علم هَذِه الصِّنَاعَة وعملها
وَقَرَأَ كتاب النَّبَات لأبي حنيفَة الدينَوَرِي على أَبِيه واتقن مَعْرفَته
وَكَانَ الْخَلِيفَة أَبُو عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر بن الْمَنْصُور أبي يَعْقُوب يرى لَهُ كثيرا ويحترمه وَيعرف مِقْدَار علمه وبيتوتته
حَدثنِي القَاضِي أَبُو مَرْوَان الْبَاجِيّ قَالَ لما توجه أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْحَفِيد إِلَى الحضرة خرج مِنْهُ فِيمَا اشْتَرَاهُ لسفره وَنَفَقَته فِي الطَّرِيق نَحْو عشرَة آلَاف دِينَار
قَالَ وَلما اجْتمع بالخليفة النَّاصِر بالمهدية لما فتحهَا النَّاصِر خدمه على مَا جرت بِهِ الْعَادة وَقَالَ لَهُ إِنَّنِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بِحَمْد الله بِكُل خير من إنعامكم وإحسانكم عَليّ وعَلى آبَائِي وَقد وصل إِلَيّ مِمَّا كَانَ بيد أبي من إحسانكم مَا يغنيني مُدَّة حَياتِي وَأكْثر وَإِنَّمَا أتيت لأَكُون فِي الْخدمَة كَمَا كَانَ أبي وَأَن اجْلِسْ فِي الْموضع الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ بَين يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَأكْرمه النَّاصِر إِكْرَاما كثيرا وَأطلق إِلَيْهِ من الْأَمْوَال وَالنعَم مَا يفوق الْوَصْف
وَكَانَ مَجْلِسه إِذا حضر قَرِيبا مِنْهُ فِي الْموضع الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ وَالِده الْحَفِيد فَكَانَ يجلس إِلَى جَانب الْخَلِيفَة النَّاصِر الْخَطِيب أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن بن أبي يُوسُف حجاج القَاضِي وَكَانَ يجلس تلوه القَاضِي الشريف أَبُو عبد الله الْحُسَيْنِي وَكَانَ يجلس تلوه أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْحَفِيد أَبُو بكر بن زهر وَكَانَ يجلس إِلَى جَانِبه أَبُو مُوسَى عِيسَى بن عبد الْعَزِيز الْجُزُولِيّ صَاحب الْمُقدمَة الْمَشْهُورَة فِي النَّحْو الْمَعْرُوفَة بالجزولية
وَكَانَ هَذَا فِي النَّحْو يشْتَغل عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْحَفِيد وَيجْلس بَين يَدَيْهِ ويتعلم مِنْهُ
وَكَانَ مولد أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْحَفِيد أبي بكر فِي سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة بِمَدِينَة أشبيلية
وَتُوفِّي رَحمَه الله مسموما فِي سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة فِي مَدِينَة سلا فِي الْجِهَة الْمُسَمَّاة برباط الْفَتْح وَدفن بهَا
وَكَانَ مُتَوَجها إِلَى مراكش فاخترمه الْأَجَل دونهَا ثمَّ حمل من الْموضع الَّذِي دفن فِيهِ إِلَى أشبيلية وَدفن عِنْد آبَائِهِ بأشبيلية خَارج بَاب الْفَتْح فَكَانَت مُدَّة حَيَاته خمْسا وَعشْرين سنة
وَمن أعجب مَا حَدثنِي القَاضِي أَبُو مَرْوَان الْبَاجِيّ عَنهُ قَالَ كنت يَوْمًا عِنْده وَإِذا بِهِ قد قَالَ لي إِنَّنِي رَأَيْت البارحة فِي النّوم أُخْتِي وَكَانَت أُخْته قد مَاتَت قبله قَالَ وَكَأَنِّي قلت لَهَا يَا أُخْتِي بِاللَّه عرفيني كم يكون عمري فَقَالَت لي طابيتين وَنصفا والطابية هِيَ خَشَبَة للْبِنَاء مَعْرُوفَة فِي الْمغرب بِهَذَا الِاسْم طولهَا عشرَة أشبار فَقلت لَهَا أَنا أَقُول لَك جد وَأَنت تجيبيني بالهزء فَقَالَت لَا وَالله مَا قلت لَك إِلَّا جدا وَإِنَّمَا أَنْت مَا فهمت
أَلَيْسَ الطابية عشرَة أشبار والطابيتين وَنصفا خَمْسَة وَعِشْرُونَ