للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العادة شيئًا لا تستلزمُ إحالةَ العَقْل إيَّاه؛ فلا يكونُ مستلزمًا لحصول العلْم اليقيني". انتهى.

وفيه نظر؛ لأنه لا فرق بين إحالة العَقْل والعادة في هذا المَوْضِعِ؛ فإنَّ مجَّرد التجويز العقليِّ لا يرتفع -وإن بلغ العدد الغاية القُصْوَى - فمن أسند الإحالة إلى العَقْل، أراد أنَّ العَقْل لا يجوِّز ذلك مِنْ حيث العادة.

والتواطؤ: التوافُقْ، وخَصَّه بعضهم: "باتِّفَاق قومٍ على اختراع معيَّن بعد المشاورة والتقرير" بالأَّ يقول أحدٌ خلافَ صاحبه، والتوافق: حصولُ هذا الاختراع مِنْ غير مشاورة بينهم، ولا اتفاقٍ على اختراع، والكذبُ: عدمُ المطابقة للواقِعِ على الصحيح.

وما ذهَبَ إلَيْه المصنِّف من عَدَم الضَّبْط بعَدَد معيَّن - بل العبرةُ بحُصُول العلْم -: هو ما ذَهَبَ إَليْه الجمهورُ من الفُحُول؛ وتلَقَّتْهُ العقول بالقبول (١)؛ فإنا نقطع بالمتواتراتِ من غَيْر علْمٍ بعددٍ مخصوص قبل العلْمِ


(١) قال الزركشي: "اخُتلف هل يُشترط فيه عددٌ معين، والجمهور على أنه ليس فيه حصر، وإنما الضابط حصول العلم، فمتى أخبر هذا الجمع، وأفاد خبرهم العلم -علمنا أنه متواتر وإلا فلا". اه تشنيف المسامع (٢/ ٩٤٧).
وقال الفتوحي في "شرح الكوكب" (٢/ ٣٣٣): "ولا ينحصر التواتر في عدد عند أصحابنا والمحققين". اه
وقال السيوطي: "ولا يُعتبر فيه عدد معين في الأصح". اه "تدريب الراوي" (٢/ ١٧٦).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " … ولهذا كان علماء الحديث الجهابذة المتبحرون في معرفته قد يحصل لهم اليقين التام بأخبار، وإن كان غيرهم من العلماء قد لا يظن صدقها، فضلاً عن العلم بصدقها.
ومبني هذا على أن الخبر المفيد للعلم يُفيده؛ من كثرة المخبرين تارة، ومن صفات المخبرين أخرى، ومن نفس الإخبار به أخرى، ومن نفس إدراك المخبر له أخرى، ومن الأمر المخبر به أخرى.
فرب عدد قليل أفاد خبرهم العلم لما هم عليه من الديانة والحفظ الذي يؤمن معه كذبهم وخطؤهم، وأضعاف ذلك العدد من غيرهم قد لا يفيد العلم.
هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وهو قول جمهور الفقهاء، والمحدثين، وطوائف من المتكلمين". اه "مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٢٥٨).
وقال أيضًا في (١٨/ ٥٠) بعد ذكر الاختلاف في عدد التواتر: "والصحيح الذي عليه الجمهور أن التواتر ليس له عدد محصور، والعلم الحاصل بخبر من الأخبار يحصل في القلب ضرورة؛ كما يحصل الشبع عقيب الأكل، والريِّ عند الشرب، وليس لما يُشبع كل واحد ويرويه قدر معين، بل قد يكون الشبع لكثرة الطعام، وقد يكون لجودته، كاللحم، وقد يكون لاستغناء الآكل بقليله، وقد يكون لاشتغال نفسه بفرح أو غضب أو حزن أو نحو ذلك، كذلك العلم الحاصل عقيب الخبر، تارة يكون … " ثم ذكر نحوًا مما سبق قبل عنه.
وانظر "توجيه النظر" -لطاهر الجزائري ص: (٣٩ - ٤١).

<<  <   >  >>