للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القاضي زكريَّا: (١) "و لا يختصُّ ذلك بالثقة؛ ولهذا قال ابن الصَّلاح: "و اعلَمْ: أنه قد يدخُلُ في باب المتابعة والاستشهادِ روايةُ مَنْ لا يحتجُّ بحديثه وحْدَهُ؛ بل يكونُ معدودًا من الضعفاءِ؛ وفي كتابَيِ البخاريِّ ومسلم جماعةٌ من الضعفاء ذَكَرَاهُمْ في المتابعاتِ والشواهد، وليْسَ كُلُّ ضعيفٍ يصلُحُ لذلك؛ ولهذا يقولون: فلانٌ يُعْتَبَرُ به، وفلان لا يُعْتَبَرُ به" (٢). انتهى.

و الحاصل: أنه يدخل في باب المتابعات والشواهد روايةُ مَنْ لا يُحْتَجُّ به؛ بل يكونُ معدودًا من الضعفاء، ولكنْ لا يصلُحُ كُلُّ ضعيفٍ، بل المضعَّفُ بما عدا الكذب وفحش الغلط (٣)، والله الموفِّق للسَّدَاد.

و تتبُّعُ الطريق: هو الاعتبارُ، أي: تفتيشُهَا واختبارُهَا؛ بأنْ تنظُرَ طرُقَ الحديث الذي تجدُهُ في كتبه؛ لِتَعْرِفَ: هل شارك الراوِيَ الذي يُظَنُّ تفرُّده به راوٍ آخَرُ، عن شيخه أم لا؟ فالاعتبارُ ليس قَسِيمًا للمتابِعِ والشاهِدِ؛ بل طريقٌ لهما. (٤)


(١) هو زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، ولد بسنيكة من قرى الشرقية بمصر، فحفظ القرآن وعمدة الأحكام، ثم تحول إلى القاهرة وقرأ على شيوخها كالعلم البلقيني، والشارطي السبكي، والحافظ ابن حجر، والشرف المناوي، وأخذ عن الكافيجي وغيرهم. قال ابن العماد: "لم ينفك عن الاشتغال والإشغال مع الطريقة الجميلة والتواضع وحسن العشرة والأدب والعفة والانجماع عن أبناء الدنيا مع التقلل وشرف النفس ومزيد العقل … وأذن له غير واحد من شيوخه في الأفتاء والإقراء منهم شيخ الإسلام ابن حجر، وتصدى للتدريس في حياة شيوخه، و انتفع به الفضلاء طبقة بعد طبقة، وشرح عدة كتب وألف ما لا يحصى كثرة … ". اه توفى سنة ٩٢٦ هـ وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في: "شذرات الذهب" (٨/ ١٣٤)، "البدر الطالع" (٢/ ٢٥٢).
(٢) فتح الباقي شرح ألفية الحديث (١/ ٢٠٥) لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري.
(٣) قال الحافظ ابن حجر: "و متى توبع السيء الحفظ بمعتبر - كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه - وكذا المختلط الذي لم يتميز، والمستور والإسناد المرسل، وكذا المدلس، إذا لم يُعرف المحذوف منه، صار حديثهم حسنًا لا لذاته، بل ومعه بذلك باعتبار المجموع من المتابِع والمتابَع". اه "نزهة النظر" (٥٢) ضوابط ١٣٠
وقال الشيخ الألباني - حفظه الله - "من المشهور عند أهل العلم أن الحديث إذا جاء من طُرق متعددة فإنه يتقوى بها، ويصير حُجة، وإن كان كلُّ طريق منها على انفراده ضعيفًا، ولكن هذا ليس على إطلاقه، بل هو مقيد عند المحققين منهم بما إذا كان ضعفُ رواته في مختلف طرقه ناشئًا من سوء حفظهم، لا من تهمة في صدقهم أو دينهم، وإلا فإنه لا يتقوى مهما كثرت طرقه، وهذا ما نقله المحقق المناوي في "فيض القدير عن العلماء، قالوا: " وإذا قَوِيَ الضعف لا ينجبر بوروده من وجهٍ آخر وإن كثرت طرقه، ومن ثم اتفقوا على ضعف حديث: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا" مع كثرة طرقه؛ لقوة ضعفه، وقصورها عن الجَبْر، خلاف ما خفَّ ضعفه، ولم يقصر الجابر عن جَبْر، فإنه ينجبر ويعتضد … " قال الشيخ "و على هذا فلا بد لمن يُريد أن يُقوي الحديث بكثرة طُرقه أن يقف على رجال كل طريق منها حتى يتبين له مبلغ الضعف فيها، ومن المؤسف أن القليل جدًا من العلماء من يفعل ذلك، ولاسيما المتأخرين منهم، فإنهم يذهبون إلى تقوية الحديث لمجرد نقلهم عن غيرهم أن له طرقًا دون أن يقفوا عليها، ويعرفوا ماهيَّة ضعفها! والأمثلة على ذلك كثيرة، من ابتغاها وجدها في كتب التخريج". اه من مقدمة تمام المنة ص (٣١ - ٣٢).
(٤) وقد نكتَ الحافظ على قول ابن الصلاح في مقدمته: "معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد" فقال ابن حجر: "هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعة والشاهد، وليس كذلك، بل الاعتبار هو: الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد. وعلى هذا فكان حق العبارة أن يقول: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد". اه "النكت على ابن الصلاح" (٢/ ٦٨١) لابن حجر، وانظر "نزهة النظر" ص (٣٧)، و""مقدمة ابن الصلاح"" ص (٧٦).

<<  <   >  >>