للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و أمَّا تدليسُ التسوية، وهو النوعُ الثاني المعبَّر عنه عند القدماء ب"التجْويدِ"؛ حيث قالوا: أجود فلانٌ، يريدون: من فيه من الأجواد، وحذف الأدنياء، وهو: أنْ يَرْوِيَ حديثًا عن ضَعِيفٍ بين ثقتَيْن، لَقِيَ أحدهما الآخَرَ؛ فيسقط الضعيف، ويَرْوِي الضعيفُ عَنْ شيخه الثقةِ بلَفْظٍ محتملٍ، فيستوي الإسنادُ؛ حيث صار كلُّهُ ثقاتٌ.

فهو مذمومٌ جدًّا؛ بل شَرُّ أنواعِ التدليس؛ لما فيه من مزيد الغِشِّ والتغطية؛ لأنَّ الثقة الأوَّل قد لا يكونُ معروفًا بالتدليس، ويَجِدُهُ الواقفُ على السَّنَدِ بعد التسوية قَدْ رواه عن ثِقَةٍ آخَرَ، فحكَمَ له بالصِّحَّة ومِمَّنْ كان يفعله: بَقِيَّةُ بْنُ الوَلِيد (١)، وقولُ الحافظ أبي بَكْر: "التدليسُ" اسْمٌ ثقيلٌ شنيعُ الظاهر؛ لكن خفيفُ الباطن" (٢) فهذا المعنى محمولٌ على غير المحرَّم منه؛ لما تقرَّر.


(١) هو بقية بن الوليد بن صائد الكلاعي، أبو يُحْمِدِ - بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم - الحمصي روى عن: الأوزاعي، وابن جريج، ومالك، وخلق كثير. وعنه: ابن المبارك وشعبة، والأوزاعي، وهم من شيوخه، والحمادان وابن عيينة، وهم أكبر منه، ويزيد بن هارون ووكيع وغيرهما.
قال أبو حاتم: يُكتبُ حديثه، ولا يُحتج به. وقال النسائي: إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة، وإذا قال عن فلان فلا يؤخذ عنه، لأنه لا يُدرى عمن أخذه، وقال ابن معين: إذا حدث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو وغيره فاقبلوه، وأما إذا حدَّث عن أولئك المجهولين فلا، وقال الحافظ في التقريب: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء. وقال في طبقات المدلسين: له في مسلم حديث واحد، وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين. "التهذيب" (١/ ٤٣٤) "التقريب" (٧٣٤) "طبقات المدلسين" (٤٩).
(٢) نقله السخاوي في "فتح المغيث" (١/ ٢٢٢) عن ابن دقيق العيد عن الحافظ أبي بكر المذكور، ولم يتبين لي من هو.

<<  <   >  >>