للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجَالٍ، ودفَعُوا لكُلِّ عَشَرة منها، وتواعَدُوا على الحُضُورِ بمَجْلسِ البخاريِّ؛ لِيُلْقِيَ عليهم كلٌّ منهم عَشَرَتَهُ، فلَّما حضروا واطمأنَّ المجلسُ بأهْلِهِ البغداديِّين وغَيْرِهِمْ من الغرباء، مِنْ أهْلِ خراسان وغيرِهِمْ -: تقدَّم إليه واحدٌ من العَشَرة، وسأله عن أحاديثه، واحدًا واحدًا، والبخاريُّ يقول له في كلٍّ منها: "لا أَعْرِفُهُ"، ثم الثاني كذلك، وهكذا إلى أن اسْتَوْفَى العَشَرَةُ المائة، وهو لا يزيدُ في كُلٍّ منها على قولِهِ: "لا أَعْرِفُهُ"؛ فكان الفقهاء ممن حَضَرَ يَتَلَفَّتُ بعضُهُمْ إلى بعضٍ، ويقولُونَ: "فَهِمَ الرَّجُلُ"، وغيرهم من الدَّهْماء يقضي عليه بالعجز والتَّقْصِيرِ، وقلَّة الفهمِ، فلَّما علم أنهم فَرَغُوا، التَفَتَ إلى السائل الأوَّل، وقال له: سألْتَ عن حديث كذا، وصوابُهُ كذا إلى آخر أحاديثه، وكذا البقيَّةُ على الولاء، فرد المائة إلى أَصْلها، ولم يَخْفَ عليه موضعٌ مما قَلَبُوه، وركَّبوه، فأقَرَّ له الناسُ بالحفْظِ، وأذْعَنُوا له بالفَضْل، وَأَغْرَبُ مِنْ حفظِهِ لها وتيقظهِ لتَمْييزه صوابَهَا من خَطَئِها -: حِفْظُهُ لتواليها؛ كما أُلْقِيَتْ عليه من مرَّةٍ واحدةٍ. (١)

وقد يُقْصَدُ بَقَلْب السند كلِّهِ - أيضًا - الإغرابُ؛ فلا ينحصرُ في راوٍ واحدٍ؛ كما أنه قد [لا] يُقْصَدُ بَقَلْبِ الرواةِ: قلبَهُ؛ بل وقع منهم سَهْوًا ووهمًا؛ كحديث: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي"؛ فَقَدْ حدَّثه حَجَّاجُ بن أبي عثمان، عن يحيى بن أبي كَثِير، عن عبد الله بن أبي


(١) قصة امتحان أهل بغداد للبخاري، ذكرها الخطيب في "تاريخ بغداد" (٢/ ٢٠)، وفي إسنادها جهالة مشايخ ابن عدي حيث رواها في كتابه: "مشايخ البخاري" لكن قال السخاوي في "فتح المغيث" (١/ ٣٢١) بعد أن ذكرها: "رويناها في مشايخ البخاري لأبي أحمد بن عدي، قال سمعتُ عدة مشايخ يحكون، وذكرها. ومن طريق ابن عدي رواها الخطيب في تاريخه وغيره، ولا يضر جهالة شيوخ ابن عدي فيها، فإنهم عددٌ ينجبر به جهالتهم" __! كذا قال وفيه نظر.
وانظر مقدمة الفتح (٤٨٦). و"النكت على ابن الصلاح" (٢/ ٨٦٧) لابن حجر، و"توضيح الأفكار" (٢/ ١٠٤، ١٠٥).

<<  <   >  >>