للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: كَيْفَ فَعَلَ ذلك المصنِّف؛ ومن شأنِ مَنْ نَقَلَ كلامَ غيره: أن يَشْرَحَهُ ويفسِّرهُ ولا يَخْتَصِرَهُ، ونَرَى كثيرًا من الناس - كالمصنِّف- يَنْقُلُون كلامَ غيرهم ويختصرونه، فكيف ساغَ لَهُمْ ذلك؟! وأيُّ فائدة في الاختصار؟!

فالجواب: أنَّ من اختَصَرَ لم يَنْقُلِ اللفظ، وإنما ينقل المعنَى بلَفْظٍ أقلَّ من لَفظْ الأَصْل وأخْصَرَ؛ وإنما يفعل ذلك لأنه محمودٌ مرغُوبٌ فيه؛ يدلُّ عليه قوله تعالى في وصَفْ الجنة: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ﴾ [الزخرف: ٧١]؛ فاكتفى بهذا عن شَرْحٍ طويل، وقال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فيِ الِقْصَاصِ حَيَاةٌ ياَ أُوِلي الألَبْابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٩] ومعناه: أنَّ القاتلَ إذاعلم أنه إذا قَتَلَ قُتِلَ - كَفَّ عن القتل؛ فلا يقتل؛ فاخْتُصِرَ هذا كلُّهُ في قوله تعالى: ﴿فيِ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ يعني: حياةَ القاتل والمَقْتُول. وقال : "أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَاخْتُصِرَتْ لِيَ الْحِكْمَةُ اخْتِصَارًا". (١).

ولأن العادة أنَّ الإنسانَ يَمَلُّ الكلامَ الطويل، وتسْأمهُ نفسه، ويميل إلى الكلام القليلِ المختصر، إذا كان مفهومًا؛ فلهذا تُخْتَصَرُ الكتب.

كذا حقَّقه العلاَّمة أبو يَعْلَى محمَّدُ بْنُ حُسَيْنٍ الفَرَّاءُ (٢) في شرحه على


(١) أخرجه أبو يعلى كما في مجمع الزوائد (١/ ١٨٧) من طريق خالد بن عرفطة عن عمر مرفوعًا وقال الهيثمي: "وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ضعفه أحمد وجماعة". اه
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٢/ ١٦٠) رقم (١٤٣٦) من طريق علي بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن عمر مرفوعًا.
وقال السخاوي: وهو مرسل وفي سنده من لم أعرفه، وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعًا مثله بَلفظ: أعطيت جوامع الحديث بدل الكلم. اه
(٢) هو القاضي أبو يعلى؛ محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي، الحنبلي، ابن الفرَّاءِ سمع على بن عمر الحربي، وإسماعيل بن سويد، وعيسى بن الوزير. حدث عنه: الخطيب البغدادي وأبو الخطاب الكَلْوَذَاني، وأبو الوفاء بن عقيل، وأبو العز بن كادش وغيرهم. أفتى ودرَّس، وتخرج به الأصحاب، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه، مع معرفةٍ. بعلوم القرآن وتفسيره، والنظر والأصول … وكان ذا عبادةٍ وتهجد، وملازمة للتصنيف، مع الجلالة والمهابة … وكان متعففًا، نَزِه النفس كبير القدر، ثَخين الوَرَع وقال الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة من تصانيفه أحكام القرآن ومسائل الإيمان، والمعتمد، والرد على الجهمية والعدة في أصول الفقه وغيرها. مات سنة ثمان وخمسين وأربع مئة، انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" (٢/ ٢٥٦)، طبقات الحنابلة (٢/ ١٩٣ - ٢٣٠)، الأنساب (٩/ ٢٤٦). "سير أعلام النبلاء" (١٨/ ٨٩)، الوافي بالوفيات (٣/ ٧)، "شذرات الذهب" (٣/ ٣٠٦).

<<  <   >  >>