للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥]

اختلف في هذه الآية فقيل: إنها منسوخة بقوله تعالى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ... [محمد: ٤] فلا يحلّ قتل الأسير وإنما يُمنُّ عليه أو يُفادى به، وهذا قول الضحاك وجماعة (١)، وقال بعضهم: إن هذه الآيات من أعاجيب آي القرآن لأنها نَسخت من القرآن مائة وأربعاً وعشرين آية ثم نُسخت (٢)، ورده ابن الجوزي (٣)

وقيل إنها محكمة، ثم اختلف القائلون بإحكامها هل هي ناسخة لغيرها، أم غير ناسخة.

فقال كثيرون: إنها نسخت جميع ما أمر به المؤمنون من الصفح والعفو والغفران للمشركين (٤) وأظن هذا من قبيل التوسع في النسخ.

قال الزركشي في أقسام النسخ: " ما أمر به لسبب ثم يزول السبب، كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر وبالمغفرة للذين يرجون لقاء الله، ونحوه من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، ونحوها، ثم نسخه إيجاب ذلك. وهو ليس بنسخ في الحقيقة، وإنما هو نَسْء، كما قال تعالى: (أو ننسئها) (٥) [البقرة: ١٠٦] فالمُنْسَأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى.

وبهذا التحقيق تبيّن ضعفُ ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف، وليس كذلك بل هي من المنسَأ، بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعله توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العله إلى حكم آخر وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امتثاله ... أبداً ... " (٦).


(١) ينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: ٤٩٣/ ٤٩٤، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي ص ٣٠٩:، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص: ١٧٣
(٢) ينظر: الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ص: ٩٨، والناسخ والمنسوخ للكرمي ص: ١١٦، و تراجع رسالة علمية لنيل درجة الماجستير بعنوان (الآيات المدعى نسخها بآية السيف) لعثمان علي ص: ٥٦.
(٣) ينظر: نواسخ القرآن له ١٧٣/ ١٧٤.
(٤) ينظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: ٣٠٨/ ٣٠٩ الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص: ٢٧٥، والإتقان ٣/ ٦١، وتفسير السمرقندي ٢/ ٣٩ والمحرر الوجيز ٣/ ٨، والتسهيل لعلوم التنزيل ٢/ ٧١.
(٥) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح النون والسين وهمزة ساكنة بين السين والهاء، وقرأ الباقون (ننسها) بضم النون وكسر السين من غير همزة، النشر ٢/ ٤١٤
(٦) البرهان ٢/ ٤٢، وينظر: الإتقان ٣/ ٦١.

<<  <   >  >>