للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فهذا وأشباهه" كان يستثقل والأدب غض والزمان زمان، وأهله يتحلون فيه بالفصاحة، ويتنافسون في العلم، ويرونه تلو المقدار في درك ما يطلبون وبلوغ ما يؤملون فكيف به اليوم مع انقلاب الحال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون المتشدقون"؟؟

ونستحب له -إن استطاع- أن يعدل بكلامه عن الجهة التي تلزمه مستثقل الإعراب، ليسلم من اللحن وقباحة التقعير، فقد كان واصل بن عطاء سام نفسه للثغة كانت به إخراج الراء من كلامه، وكانت لثغته على الراء، فلم يزل يروضها حتى انقادت له طباعه وأطاعه لسانه، فكان لا يتكلم في مجلس التناظر بكلمة فيها راء هذا أشد وأعسر مطلبًا مما أردناه".

تلك كانت نماذج من مقدمة كتاب أدب الكاتب: والمقدمة طويلة نفيسة شيقة.

وأما محتوى الكتاب فقد قسمه ابن قتيبة حسبما عودنا إلى أربعة كتب أي أربعة أقسام هي: كتاب المعرفة، وكتاب تقويم اليد، وكتاب تقويم اللسان، وكتاب الأبنية.

وهو في كتاب المعرفة يحاول أن يفقه القارئ الذي ينشد أن يكون كاتبًا ثقافة عامة، ويجعل من هذا الكتاب أبوابًا مثل باب ما يضعه الناس في غير موضعه، أو باب أصول أسماء الناس ويفرغ من ذلك إلى "المسمون بأسماء النبات" أو "المسمون بأسماء الطير" أو "المسمون بأسماء السباع" وهكذا، ويذكر في كتاب المعرفة أيضًا، أي القسم الأول من كتاب أدب الكاتب، بابًا للنخل ويذكر بابًا لعيوب الخيل وآخر لشيات الخيل وغيره لألوان الخيل، ويذكر أبوابًا للتعريف بألوان الطعام والشراب وغير ذلك شيئًا كثيرًا وفيرًا.

فمثلًا في باب ما يضعه الناس في غير موضعه يقول: ومن ذلك الطرب يذهب الناس إلى أنه في الفرح دون الجزع وليس كذلك، إنما الطرب خفة تصيب الرجل لشدة السرور، أو لشدة الجزع، ثم يوثق ابن قتيبة رأيه بشاهد من قول الأقدمين فيجيء بقول النابغة الجعدي:

وأراني طرِبًا في إثرهم ... طرب الواله كالمختبل

وقال آخر:

يقلن لقد بكيت فقلت كلا ... وهل يبكي من الطرب الجليد

ويأتي ابن قتيبة بمثال آخر في الباب نفسه -باب ما يضعه الناس في غير موضعه- فمن ذلك "القافلة" يذهب الناس إلى أنها الرفقة في السفر ذاهبة كانت أو راجعة، وليس كذلك إنما القافلة الراجعة من السفر، يقال قفلت فهي قافلة، وقفل الجند من مبعثهم أي رجعوا ولا يقال لمن خرج إلى مكة من العراق -مثلًا- قافلة حتى يصدروا أي يعودوا.


١ أدب الكاتب "ص٢٠".

<<  <   >  >>