للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انضم إلى هذه الندوة صاحبنا أبو حيان، الأمر الذي جعل ابن سعدان يفاخر بها الندوات الأخرى التي كان يلتئم شملها عند من ذكرنا من الأمراء والوزراء.

أما قصة هذا الكتاب فإن أبا الوفا المهندس الذي مر ذكره كان صديقًا لكل من أبي حيان، والوزير ابن سعدان، فقرب أبو الوفا أبا حيان إلى الوزير وجعله من سماره، فسامره أربعين ليلة عالج فيها أبو حيان الكثير من الموضوعات من أخبار أدبية، وشعر، ونثر، ولغة، وفلسفة، ومنطق، وأخلاق، وطبيعة، وإلهيات، وتفسير، وحديث، وبلاغة، وسياسة، وحيوان، وطعام، وشراب، ومجون، وغناء، وموسيقى، وتاريخ، وتحليل لشخصيات العصر من ساسة وعلماء وفلاسفة وأدباء، وتعرض للحياة الاجتماعية المعاصرة بالدراسة والعرض والتحليل، وكانت تجري في أثناء هذه الأحاديث مناقشات بين الوزير وأبي حيان تدل على ما كان لهذا الوزير من مشاركة في مختلف موضوعات الأدب واللغة والفلسفة والإلهيات، وكان أبو حيان يختتم كل ليلة من ليالي المسامرات هذه بملحة يطلبها منه الوزير ويسميها ملحة الوداع التي تكون تارة قصة فكهة قصيرة أو أبياتًا من الشعر طريفة.

المهم أنه بعد أن انتهى أبو حيان من لياليه الأربعين التي سامر فيها الوزير، فطن أبو الوفاء المهندس إلى ما فيها من موضوعات نفيسة جديرة بالحفظ، خاصة ما حوته من مناقشات الفكر وخطرات العقل، وعطاء البديهة، وما قد عرضه أبو حيان نتيجة الدراسة والتحصيل وإعداد السابق، كل ذلك جعل أبا الوفاء المهندس يطلب من أبي حيان -لاجئًا إلى نوع من الضغط الأدبي- أن يكتب هذه المسامرات كل ليلة بليلتها، فاستجاب له أبو حيان، وكتب أحاديث الأربعين بكل ما حوت من فنون المعرفة، وتفاصيل المناقشات.

هذا وكانت الليالي تختلف طولًا وقصرًا، كما أن موضوعًا واحدًا من موضوعات الحديث كان يستغرق أحيانًا أكثر من ليلة كما حدث في الليلتين الرابعة، والخامسة، فقد كان موضوع الحديث فيهما عن الكتاب وأعلامهم مع طرق موضوعات أدبية ونقدية، والليلتين التاسعة والعشرين والثلاثين حين كان الحديث في التفسير واللغة والنحو.

وإذا كان لنا أن نستعرض بعض الليالي وما عولج فيها من موضوعات، ففي الليلة الرابعة والعشرين على سبيل المثال، عالج أبو حيان موضوع الزهد والأخلاق وقصص الزهد وأخبارهم.

وفي الليلة الخامسة والعشرين طلب الوزير من أبي حيان أن يسمعه كلامًا في مراتب النظم والنثر، فقدم أبو حيان استعراضًا بديعًا عذبًا للنظم والنثر، مع حديث عن البلاغة والأدب.

وفي الليلة السادسة والعشرين كان الحديث عن الكلمات القصار من حكم وأمثال،

<<  <   >  >>