للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقدم أبو حيان حشدًا من مختارات الحكم نظمًا ونثرًا.

وفي الليلة السابعة، والعشرين كان الحديث عن الصوفية، والتوكل على الله مع قصص لطيفة مأثورة، ثم عرج أبو حيان بناء على طلب الوزير إلى الحديث في المنطق، ثم في اللغة مع تطرق لموضوع الفأل والطيرة.

وكانت الليلة الثامنة والعشرون ليلة طويلة، وساعد على طولها طبيعة الموضوع المطروق، فقد كان الحديث عن الغناء والقيان ومحبي الطرب وشعر الغناء، وما يتصل بهذا الموضوع من قريب أو بعيد.

وبينما كانت الليلة الماضية حديثها القيان والقصف، والغناء فإن حديث الليلة التاسعة والعشرين كان في التفسير واللغة، ويستمر حديث اللغة والنحو فيستحوذ على الليلة الثلاثين.

وفي الليلة الخامسة والثلاثين يكون الحديث عميق التناول؛ لأنه حديث عن النفس والروح وصفتهما، والفرق بينهما، وما الإنسان؟ وما الطبيعة؟ وما العقل؟ وما المعاد؟ ويتطرق الحديث إلى علم النفس، والفلسفة.

وحديث الليلة الأربعين يتناول الشعر والشعراء والنقد، وعلم الكلام وأشتاتًا من الموضوعات مع مناقشات لطيفة وحوار عذب.

الواقع أن كتاب الإمتاع والمؤانسة يعتبر نسيج وحده بين كتب "المجالس" و "الأمالي" وإن كنا نصنفه في كتب المجالس فهو إليها أقرب. إن أبا حيان شخصية خطيرة عندما يعرض لتحليل الأشخاص وعرض الموضوعات، ولقد كشف اللثام عن كثير من الموضوعات الاجتماعية والسياسية وحلل شخصيات عصره اللامعة من أمثال ابن العميد والصاحب بن عباد وأبي سليمان المنطقي.

ومن الموضوعات الفريدة التي جاءت في الإمتاع والمؤانسة -على سبيل المثال- المناظرة الفريدة الممتعة التي جرت بين أبي سعيد السيرافي، وأبي بشر متى بن يونس في المفاضلة بين المنطق اليوناني والنحو العربي، كما أن الإمتاع والمؤانسة هو أول كتاب يميط اللثام عن رسائل إخوان الصفا وأشخاص مؤلفيها.

ولعل من أهم سمات الفكاهة في الكتاب تلك الملح التي كان ينهي بها أبو حيان حديثه بناء على رغبة الوزير، فمن تلك الملح النثرية قول أبي حيان:

حدثنا ابن سيف الكاتب الراوية، قال: رأيت جحظة قد دعا بناء ليبني له حائطًا فحضر، فلما أمسك اقتضى البناء الأجرة، فتماسكا، وذلك أن الرجل طلب عشرين درهمًا، فقال جحظة: إنما عملت يا هذا نصف يوم وتطلب عشرين درهمًا؟ قال: أنت لا تدري، إني

<<  <   >  >>