للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألَّفه أديب معاصر له، وتكاد الصورة تتكرر لما حدث، ونحن نقدم الشعر والشعراء لابن قتيبة، ففي الوقت الذي كان فيه ابن قتيبة والجاحظ فرسي رهان في ميدان التأليف والمعرفة ويؤلف كل منهما في الشعر، الأول يكتب عن الشعر والشعراء وترفق به الأقدار حتى يصل إلينا، والثاني يكتب كتابه "من اسمه عمرو من الشعراء" ويضيع ولا يصل إلينا، نجد أن كلا من ابن المعتز وهو طبقات الشعراء فإنه يصل إلينا، وأما كتاب الثاني وهو "البارع" في أخبار الشعراء المولدين، فإنه ضاع ولم يصل إلينا، غير أن هناك فرقًا شاسعًا في القيمة الفنية بين كتيب الجاحظ "من اسمه عمرو من الشعراء" وكتاب ابن المنجم "البارع" فقد مجد المؤرخون الكتاب الثاني وذكروا الكثير من فضله وقيمته، فابن خلكان رأى الكتاب، ويقول عنه: "صنف كتاب "البارع" في أخبار الشعراء المولدين، وجمع فيه مائة وواحدًا وستين شاعرًا وافتتحه بذكر بشاد بن برد العقيلي وختمه بمحمد بن عبد الملك بن صالح، واختار فيه من شعر كل واحد عيونه.." وينقل ابن خلكان طرفًا من منهج الكتاب الذي أثبته صاحبه في مقدمته على المنوال الذي سار عليه كبار المؤرخين، وابن المنجم هارون هذا من أفاضلهم فيقول: "إني لما عملت كتابي في أخبار شعراء المولدين ذكرت ما اخترته من أشعارهم، وتحريت في ذلك الاختيار أقصى ما بلغته معرفتي وانتهى إليه علمي، والعلماء يقولون: دل على عاقل اختياره، وقالوا: اختيار الرجل من وفور عقله١. ويذكر ابن خلكان على لسان ابن المنجم أن هذا الكتاب أي البارع مختصر من كتاب ألفه قبل هذا في هذا الفن، وأنه كان طويلًا فحذف منه أشياء واقتصر على هذا القدر الذي هو مائة وواحد وستون شاعرًا. ويمضي ابن خلكان في تعريفه بالكتاب فيقول: إنه يغني عن دواوين الجماعة الذين ذكرهم، فإنه اختصر أشعارهم وأثبت منها زبدتها وترك زبدها، ويسجل صاحب الوفيات مرة أخرى أن كتاب الخريدة للعماد الأصفهاني وكتاب الحظيري وكتاب الدمية للباخرزي وكتاب اليتيمة للثعالبي -وهي من أمهات كتب الشعر وتراجم الشعراء- فروع عليه، وهو الأصل الذي نسجوا على منواله.

وهذا القول الذي أذاعه ابن خلكان عن كتاب ابن المنجم كلام خطير جدًّا، فإذا كانت قيمة كل من التيمية والخريدة ودمية القصر والسلسلة المتفرعة منها ما تعلم خطرًا وقدرًا، وكان معنى ذلك أن كتاب "البارع" هو الأصل في كتب الشعر والشعراء أو طبقات الشعراء التي التزمت الترجمة لعصر بعينه، ولنا في ذلك رأي سوف نوضحه فيما يستقبل من حديث.

إننا -وقد جنحنا في مجال الحديث عن ابن المعتز إلى ما يمكن أن يسمى استطرادًا


١ وفيات الأعيان "٥/ ١٢٧".

<<  <   >  >>