ضروريًّا- نرى أن ابن المعتز في تقدمته لكتابه يقول١:
"خطر علي الخاطر في بعض الأفكار أن أذكار في نسخة ما وضعته الشعراء من الأشعار في مدح الخلفاء والوزراء والأمراء من بني العباس؛ ليكون مذكورًا عند الناس، متابعًا لما ألفه "ابن نجيم" قبلي بكتابه المسمى "بطبقات الشعر الثقات" مستعينًا بالله المسهل الحاجات وسميته طبقات الشعراء المتكلمين من الأدباء المحدثين".
فنحن أمام قضيتين كلاهما على جانب من الأهمية، فيما يتعلق بكتاب طبقات الشعراء لابن المعتز، الذي هو في نظر الباحثين والمتأدبين من أهم كتب الطبقات وفي صدر الصفوة منها لما له من مميزات كثيرة سوف نعرض لها بعد قليل.
القضية الأولى أن الهدف من الكتاب كانت الترجمة لمن مدح بني العباس من الشعراء حتى زمن ابن المعتز، وتبعًا لذلك فإن ابن المعتز يكون قد أهمل في كتابه الشعراء الذين لم يمدحوا بني العباس مهما خطر شأنهم ونفس شعرهم، وهذا يفسر لنا لماذا بدأ ابن المعتز كتابه بالشاعر ابن هرمة السكير الذي بلغ به الدلال عند الخليفة العباسي بحيث يجعله يكتب إلى عامله بالمدينة ألا يوقع عليه حد الخمر إذا ضبط سكران حسب القصة الطريفة المروية في كتب الأدب، ويثني ابن المعتز في كتابه بالحديث عن بشار بن برد الذي كان على كراهيته لبني العباس صاحب قصائد طويلة عديدة في المهدي، ثم يثلث بالحديث عن السيد الحميري الذي كان على تشدده في تشيعه وإيمانه برجعة محمد بن الحنفية يمدح المنصور وبني العباس. ويظل ابن المعتز يقدم الدراسة تلو الدراسة حتى ينهي كتابه بالحديث عن الشاعرات على عهد بني العباس متوقفًا عند فصل الشاعرة.
وأما القضية الثانية فهي ما ذكره ابن المعتز من أنه أنشأ كتابه متابعًا لما ألفه ابن نجم قبله بكتابه المسمى "بطبقات الشعر الثقات" وكان أول ترجمة اشتمل عليها كتاب ابن نجيم هي ترجمة بشار بن برد.
إننا الآن أمام مشكلة ينبغي أن نصل فيها إلى حل، فهل ابن نجيم الذي سار على دربه ابن المعتز هو نفسه ابن المنجم سالف الذكر، إن الفرق كبير بين الاسمين من حيث الرنين والكتابة بحيث أن وقوع اللبس فيهما لا يعتبر من الأمور التي يسهل تصورها، ولكن محقق كتاب طبقات ابن المعتز يعتبرهما شخصًا واحدًا وليس أمامه إلا دليل واحد، وهو أن كلًّا من الكتابين أي كتاب البارع وكتاب "طبقات الشعر الثقات" قد استهل ترجماته ببشار بن برد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فلا بد أنه -أي محقق طبقات ابن المعتز قد حاول أن يصل