للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن الحالجب وغيرهما: أن الجن والشياطين تمثلت لهم، وألفت كلاما يسمعونه، وأنوارا يرونها١، فيظنون ذلك كرامات، وإنما هي أحوال شيطانية، لا رحمانية وهي من جنس السحر. ولقد حكى سعيد الفرغاني في شرح قصيدة ابن الفارض أن رجلا نزل دجلة، ليغتسل لصلاة الجمعة، فخرج من النيل، فأقام بمصر عدة سنين، وتزوج، وولد له هناك، ثم نزل ليغتسل لصلاة الجمعة، فخرج من دجلة فرأى غلامه ودابته والناس لم يصلوا بعد الجمعة، ومن المعلوم لكل ذي حس أن يوم الجمعة ببغداد ليس بينه وبين يوم الجمعة بمصر يوم, فضلا عن أكثر منه ولا الشمس توقفت عدة أعوام في السماء، وإنما هو الخيال، فيظنونه لجهلهم في


١ جرى مثل هؤلاء الشيوخ على تصديق ما يهرف به خيال الصوفية من رؤية أنوار وسماع كلام، ثم يحاولون تعليل هذا الباطل بغير علته الحقة، فيزعمون أن ذلك النور والكلام تهاويل جن تجسدت لهم، وخيالات شياطين تبدت في صور إنسية. هذا ليردوا إفك الصوفية فيما زعموه من رؤية نور الله وسماع كلامه, والحق أن الصوفية لم يروا نورا، ولم يسمعوا كلاما، والحق أنهم كاذبون كاذبون مفترون، يدعون هذا بغية استعباد المخابيل والمفاليك لشهوات الجريمة التي تتلمظ على أنيابهم، وينزو قيحها من صدورهم. وفي الكتاب والسنة ما يشهد بكذبهم، ويدمغهم بأنهم أحلاس إفك وبهتان، فموسى عليه السلام خر صعقا حين تجلى الله للجبل، وربنا سبحانه، ما يكلم إلا رسله وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، أفهؤلاء الدعاة إلى الإثم والوثنية من رسل الله؟ أتراهم أقوى روحا من موسى عليه السلام؟ ألا فلنقتص الكذب والزور نفسه، أما تصديق دعاويهم، ثم تعليلها بمثل ما عللها به هؤلاء الشيوخ، ففيه مشايعة للباطل في بعض ما يفتريه، ومساندة له في أدنأ بهتانه. فالله سبحانه يقول عن الشيطان: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، والرسول الكريم ما رأى الجن وهم يستمعون القرآن، وعذر الشيوخ أنهم كانوا يعيشون في عصر امتلأ بهذه المؤتفكات، حتى صارت -وكأنها من مسلمات البديهة- فردوا الباطل بما مكن لهم عصرهم أن يردوه به.

<<  <  ج: ص:  >  >>