للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلا مخالطته، متكثرا مع النواظر بلا انقسام، فذلك شعوذة الخيال، وخديعة الشيطان وقال بعد ذلك: "إنهم صرحوا بأن التكثر في الموجودات ليس بتكثر وجوداتها، بل تكثر الإضافات والتعينات" ثم قال: "فقالوا: معنى قولنا: الواجب موجود، أنه١ وجود، ومعنى قولنا: الإنسان، أو الفرس موجود، أنه ذو وجود، بمعنى أن له نسبة إلى الوجود، لا أنه متصف بالوجود، على ما هو معنى الوجود لغة وعرفا وشرعا، احترازا عن شفاعة التصريح بكون الواجب صفة الممكن، وأنت خبير بأن جواز الإطلاق فرع صحة الاشتقاق، ولو سلم فما ذكروا في بيان معناه في الواجب والممكن ليس معناه، لا لغة، ولا عرفا، ولا شرعا ومنشأ الغلط فيما يكشفه الشرع بما يقصر عنه العقل، وما يدعيه هؤلاء مما يحيله [٥٧] عدم التفرقة بين ما أحاله العقل كهذه المذكورات، وبين ما لا يناله العقل كاطمحلال وجود الكائنات عند سطوع أنوار التجليات، وإنما ينال ذلك بجذبة الإلهية٢، أو رياضة في متابعة الحضرة النبوية في الوظائف العلمية والعملية


١ في الأصل: موجوداته، بدل: موجود أنه.
٢ عجيب أن يجعل البخاري هذا مما لا ينال إلا بجذبة، فالمؤمن الحق يدرك باللمحة الهافية من الفكر والوجدان والشعور، أن بين وجود الله، ووجود العالم فرق ما بين رب السموات والأرض، وبين عبد خلق من طين, بيد أن البخاري يريد بالاطمحلال عند التجلي فناء وجود السوى، فلا يشهد العارف ثم إلا وجودا واحدا هو الواجب، أو المطلق، يعني يرى الكثير واحدا، والظاهر عين المظاهر فإن يك هذا, فقد هوى في غيابة صوفية، إذ ينفي الوحدة من جهة، ويثبتها من جهة أخرى، فالصوفية يريدون بالتجلي ما ينكشف للقلب من أنوار الغيوب، أو ظهور الذات في عين المظاهر، وفي الأول ادعاء معرفة الغيب وقول على الله بغير علم, وفي الآخر الإقرار بوحدة الوجود، فأيهما يريد البخاري؟! ثم ما هذه الجذبة؟ ما سبيلها؟ ما دليلها؟ ما مثالها في الماضي المؤمن؟ لا يقال: سبيلها العبادة، فإنه جعل العبادة قسما آخر غير الجذبة، وليس في الكتاب ولا في السنة عليها دليل، وما سمعنا عن صحابي أو تابعي، أو مؤمن صادق أنه نال هذه الجذبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>