للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما يحيل العقل بالبديهة والبرهان، لامتناع ثبوت ما تحكم حجة الله عليه بالبطلان فلا مجال في مورد الشرع، ولا في طور الولاية والكشف لما يحكم العقل عليه بأنه محال، بل يجب أن يكون كل منهما في حيز الإمكان والاحتمال، غير أن الشرع يرد بما لا يدركه العقل بالاستقلال، وبالكشف يظهر ما ليس له العقل ينال١ لأن الطريق إليه الكشف والعيان؛ دون بديهة العقل والبرهان، لكن إذا عرض عليه لا يحكم عليه بالبطلان، لكونه في حيز الإمكان، ولا ينبغي متوهم أن ما يتستر به الوجودية من دعوى الكشف من قبيل ما ليس له العقل ينال، بل هو مستحيل وللعقل في إبطاله تمكن ومجال؛ إذ الطريق إليه التصور ثم التصديق بالبطلان، وذلك وظيفة العقل بالبديهة أو البرهان، وأما الأمور الممكنة الكسبية، فيجعلها العقل في حظيرة الإمكان، ولا يحكم عليها بالبطلان ثم إن ما يناله الكشف، ولا يناله العقل الممكن الذي الطريق إليه العيان٢، دون البرهان، لا المحال الممتنع الوجود في الأعيان؛ إذ الكشف لا يجعل الممتنع متصفا بالإمكان موجودا في الأعيان؛ لأن قلب الحقائق بين الامتناع والبطلان فلو تخايل حصول المحال بالكشف ككون الوجود المطلق واحدا شخصيا، وموجودا خارجيا، وكون الواحد الشخصي منبسطا في المظاهر، متكررا عليها


١ جعل من الشرع قسما لا يناله العقل، بل الكشف، فمن قال هذا؟ وسيعلم أن الطريق إليه كذلك معاينة الذات؟ فمن أين جاء بهذا؟ وهل في مقدور كل مسلم الكشف والمعاينة؟ يجيبون هم بأن هذا لخواص الخواص، وهذا يستلزم أن الخواص والعوام لا يمكن أن يصلوا إلى معرفة أهم حقائق الشرع، ثم ما هذا الذي لا يظهر إلا بالكشف؟ إن كان هو عين ما في الشريعة، فما للكشف فائدة إذا. وإن كان غير ما فيها، قالوا بجواز عبادة الله بغير ما شرعه الله، وتلك هي الطاعة الكبرى، فما صنع البخاري شيئا سوى أن فر إلى ما فر منه، وحارب ما يحارب هو من أجله.
٢ يريد الصوفية بها معاينة الذات الإلهية، ومشاهدة أسرار الربوبية والإلهية.

<<  <  ج: ص:  >  >>