للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل أنتم بعد بغضكم للصوفية نابذتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بموالاتكم من نابذ شريعته، ونحن نذب عنها وأنتم تناضلون عمن يهدمها من غير فائدة في ذلك، وتقولون: إنهم أرادوا بكلامهم الذي ظاهره قبيح غير ظاهره، ولو قال أحد من الناس لأحد منكم كلمة توهم نقصا "كالعلق" الذي قال أهل اللغة أن معناه: الشيء النفيس١؛ عاداه، وإن حلف له أنه ما قصد ذما، وإن كرر ذلك كانت القاصمة، فتحرر بذلك أن نابذتم أهل الدين من الفقهاء والصوفية٢ المجمع


= وأشهدهم مجاري أحاكم الربوبية" إذا فهم عند القشيري أعظم مقاما من خليل الله إبراهيم، ومن محمد عليه الصلاة والسلام؟! فتأمل في الأستاذ القشيري، وفي قوله، وفيما خلفه في رسالته، ثم اسمع إليه ينقل في رسالته: "لا تصلح المحبة بين اثنين حتى يقول الواحد للآخر: يا أنا، المحبة سكر لا يصحو صاحبه إلا بمشاهدة محبوبه" انظر مقدمة الرسالة وص١٤٦منها. وهذه زمزمة قديمة بزندقة الاتحاد ووحدة الشهود.
١ في القاموس: "العلق: بالكسر" النفيس من الشيء.
٢ وضع الصوفية بجانب الفقهاء من المؤلف يوحي بأن هناك طريقان: طريق الفقهاء، وطريق الصوفية، ويوحي بأن الدين فقه وتصوف، وأن الطريقين مختلفان، وأن الفقه والتصوف متغايران. فما طريق الفقهاء، وما طريق الصوفية؟ وما الفقه، وما التصوف؟ إن كان أحدهما عين الآخر بطلت التسمية، وإن كان غيره، استلزم النقص في أحدهما، أعني استلزم أن يكون أحدهما لا يمثل الشريعة الإسلامية في كل أصولها وفروعها. والصوفية يزعمون أنهم يمثلون الجانب الروحي والحقائق الباطنة في الإسلام. ويدمغون الفقهاء بأنهم علماء الرسوم. في حين يقول الفقهاء عن الصوفية: إنهم يتحللون من تكاليف الشريعة بهذه الدعوى!! فأي الفريقين على بينة من قوله؟ لا بد من العودة إلى الكتاب والسنة لنحكم على قيم الأشياء بما حدد القرآن من مفاهيم لهذه القيم، وثمت نجد أمين الله جبريل يسأل الرسول: ما الإسلام؟ ثم: ما الإيمان؟ ثم: ما الإحسان؟ ونجد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجيب إجابة واضحة صريحة لا لبس فيها ولا غموض، محددا هذه الحقائق العليا تحديدا جليا مشرقا، فلنجعل قلوبنا ونياتنا وأعمالنا مظهرا لها في صدق وإخلاص ولندع تلك التفريعات، والتقسيمات، والتسميات، لنستمد معارفنا عن الدين من الكتاب والسنة، فلا تستبد بنا حيرة، ولا يعصف بنا شك ولا يستعبدنا بعض خلق الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>