إلى الاتفاق ولأمكنهم ذلك في أكثر هذه المسائل بما نصب الله تعالى عليها من الأدلة التي يُعرف بها الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، ثم عذر بعضهم بعضاً فيما قد يختلفون فيه، ولكن لماذا هذا السعي وهم يرون أن الاختلاف رحمة، وأن المذاهب على اختلافها كشرائع متعددة؟ وإن شئت أن ترى هذا الاختلاف، والإصرار عليه، فانظر إلى كثير من المساجد تجد فيها أربعة محاريب يُصلي فيها أربعة من الأئمة! ولكل منهم جماعة ينتظرون الصلاة مع إمامهم كأنهم أصحاب أديان مختلفة! وكيف لا وعالمهم يقول: إن مذاهبهم كشرائع متعددة! يفعلون ذلك وهم يعلمون قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم وغيره، ولكنهم يستجيزون مخالفة هذا الحديث وغيره محافظة منهم على المذهب؛ كأن المذهب محترم عندهم ومحفوظ أكثر من أحاديثه عليه الصلاة والسلام!.
وجملة القول: إن الاختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن، لأنه من أسباب ضعف الأمة كما قال تعالى {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}{الأنفال: ٤٦}.
أما الرضا به، وتسميته رحمة، فخلاف الآيات الكريمة المصرحة بذمه كما قال تعالى {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)} {الرُّوم: ٣١ - ٣٢}