للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف الناس خلفه وكبر عليها أربعاً، ثم قال: ((لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي له رحمة)) (١).

قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملة ذلك أن من فاتته الصلاة على الجنازة، فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فإن دفنت فله أن يصلي على القبر إلى شهر، هذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، روي ذلك عن أبي موسى، وابن عمر، وعائشة - رضي الله عنهم - .... )) (٢).

وسمعت الإمام شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى يقول عن الأحاديث السابقة: ((هذه الأحاديث فيها تحديد الصلاة على الميت بعد موته في حدود شهر، وفي ذلك تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على الميت أكثر من شهر، والصلاة توقيفية، أما رواية صلاته على الشهداء بعد ثمان سنوات فيقال: بأنه دعا لهم ولم يصلِّ عليهم)) (٣)، وسمعته يقول: ((هذا يدل على رحمته - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين، وفيه فضل كناسة المساجد، ومشروعية الصلاة على القبر، وأكثر ما ورد في الصلاة على القبر شهر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على أم سعدٍ بعد شهر، أما ما زاد فالأصل عدم ذلك، أما ما ذكر من صلاته على قتلى أحد، فيحتمل أنه دعا لهم كدعوات الجنازة، ويحتمل أن هذا خاص به يودع الأحياء والأموات)) (٤). والله - عز وجل - أعلم (٥).


(١) النسائي، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم ٢٠٢١، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، ٢/ ٦٤.
(٢) المغني لابن قدامة، ٣/ ٤٤٤.
(٣) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الأحاديث رقم: ١٨٢٧ - ١٨٣١.
(٤) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٥٧٧.
(٥) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الصلاة على القبر لمن لم يصل على الجنازة، فقيل: بعدم مشروعية الصلاة على القبر، وأن الصلاة على القبر من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل: الصلاة على القبر مشروعة، وبه قال الجمهور، واختلفوا فيمن لم يصلّ عليه، فقيل: يؤخر دفنه ليصلي عليه من كان لم يصلِّ، وقيل: يبادر بدفنها ويصلي الذي فاتته على القبر. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((ومن صلى مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها، وإذا صُلّي على الجنازة مرة لم توضع لأحد يصلي عليها قال القاضي: لا يحسن بعد الصلاة عليه ويبادر بدفنه ... )).
وقال ابن قدامة أيضاً: ((ويصلى على القبر وتعاد الصلاة عليه جماعة وفرادى نص عليهما أحمد. وقال: وما بأس بذلك فقد فعله عدة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي حديث ابن عباس، قال: انتهى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قبر رطب فصفوا خلفه وكبر أربعاً [متفق عليه وتقدم تخريجه] [المغني، ٣/ ٤٤٤ - ٤٤٦، والشرح الكبير، ٦/ ١٨١ - ١٨٢].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية، ص١٢٩: ((ويصلى على الجنازة مرة بعد أخرى؛ لأنه دعاء وهو وجه في المذهب واختاره ابن عقيل في الفنون وقال في موضع آخر: ومن صلى على الجنازة فلا يعيدها إلا بسبب مثل أن يعيد غيره الصلاة فيعيدها معه، أو يكون هو أحق بالإمامة من الطائفة الثانية فيصلي بهم)).
واختلف في المدة التي يُصلى فيها على الميت في القبر: فقيل: إلى شهر، وقيل: ما لم يبل الجسد، وقيل: إلى اليوم الثالث، وقيل: يختص بمن كان من أهل الصلاة عليه حين موته، وقيل: يجوز أبداً [فتح الباري لابن حجر، ٣/ ٢٠٥، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٧٢٤].
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والصحيح أنه يُصلى على الغائب ولو بعد شهر، ونصلي على القبر أيضاً ولو بعد الشهر)) [الشرح الممتع، ٥/ ٤٣٦] والراجح والله تعالى أعلم أنه يصلى عليها في حدود الشهر. كما تقدم.

<<  <   >  >>