للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (١).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) (٢). وهذا يدل على أن من لم يستعمل نعمة الصحة والفراغ فيما ينبغي فقد غُبِنَ؛ لكونه باعهما بثمنٍ بخسٍ، ولم يُحمد رأيه في ذلك، ولاشكَّ أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكفياً صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يُغبَن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شُكْرِه امتثالُ أوامره واجتنابُ نواهيه، فمن فرَّط في ذلك فهو المغبون، والذي يوفَّق لذلك قليل من الناس، ومعلوم أن الإنسان قد يكون صحيحاً ولا يكون متفرِّغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك: أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل:

يسر الفتى طولُ السلامة والبقا ... فكيف ترى طول السلامة يفعل

يُرد الفتى بعد اعتدال وصحةٍ ... ينوء إذا رام القيامَ ويحملُ (٣)


(١) سورة المؤمنون، الآيتان: ٩٩ - ١٠٠.
(٢) البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، برقم ٦٤١٢.
(٣) مقتبس من مجموع كلام ابن حجر، وابن بطال، وابن الجوزي، كما نقله ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري، ١١/ ٢٣٠.

<<  <   >  >>