فإنني أعتذر منه، وأعتقد أن الله تعالى ليس بسائلي عنه، لأنه تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
[شيوخ الهيثمي رحمه الله]
ما أشبه الشيوخ بواحة الزهر، وما أشبه التلميذ الذي أراد الله له التوفيق بالنحلة، ينتقل بين هؤلاء الشيوخ ويعتصر جناهم، ويفيد من تجاربهم وخبراتهم.
إن التلميذ الذي يعب في مناهل الشيوخ الذين رسخت أقدامهم في ميادين العلم، ونضجت تجاربهم في أسواق الحياة، واستوت خبراتهم على سوقها يختصر الزمن فيضيف أعماراً إلى عمره، ويوسع أفقه، ويعمق معارفه، ويزين بالحلم -إلى جانب العلم- نفسه، وينقش على صفحتها عميق الحكمة، فيصبح من الشيوخ علماً وحلماً واتزاناً وحكمة وهو في مقتبل الشباب يلون نفسه بما يعجبه من صفاتهم، ويدرب نفسه على الرائق الصافي من أساليبهم، ويعمق أفكاره بالغوص وراء عميق معانيهم، ويعود نفسه الصبر على البحث والدرس وتقليب الأمر على وجوهه المختلفة قبل أن يبت القول فيه.
كيف لا، والمسألة الواحدة ينجلي غموضها بتعدد وجهات النظر إليها، ولكثرة تناولها ترسخ واضحة في ذهنه، وهو بالتالي يستطيع التعرف على عقليات الرجال عمقاً واتساعاً، وعلى نفسياتهم تفلتاً والتزاماً، وعلى سلوكهم طبيعة أو تكلفاً.
وأما الإنسان الذي لا يملأ دلاءه إلا من نبع واحد، ويكتفي بشيخ يرد إليه، ويأوي في كل نازلة تحتاج بحثاً إليه، فإنه سيكون نسخة ثانية لهذا الشيخ، بفارق لا يدركه الكثير من الرجال.
وهذه الحقائق قد وعاها القوم وعرفوا فوائدها ومضارها، لذلك كان