والذين أخذوا عن الهيثمي وتتلمذوا عليه وأفادوا منه شيخه وولي نعمته الحافظ العراقي فقد اسمعه وسمع منه، وأملاه واستملى منه، وكان يشارك السامعين في السماع منه، ويستمع معهم بالقراءة عليه أيضاً.
وأزعم أنني لا أتجاوز الحق إن قلت: إن أكثر الذين حضروا العراقي ونسبوا علمهم -أو بعضه- إليه، قد لقوا الهيثمي وأخذوا عنه.
ولكن لماذا لم تذكر كتب التراجم العدد الجم الذي عنه أخذ وعليه تتلمذ؟.
نقول: إن السفيانين إمامان عظيمان جليلان، والأوزاعي علامة الشام، وغيرهم كثير من أصحاب المذاهب، لم يقيض لهم الله تلامذة يدونون فقههم مبوباً في كتاب واحد، ليأتي مَنْ بعدهم عليه شرحاً وتعليقاً، كما حدث لأصحاب المذاهب المدونة، فبقي علمهم ضائعاً في بطون الكتب، وآراؤهم وفقههم موزعاً في أماكن مختلفة من الكتب العديدة في مكتبتنا الإسلامية.
فهل يندرج هذا الحكم على الحافظ الهيثمي فيمكن اعتباره واحداً من هؤلاء الأئمة العظام؟.
والحق أن هذا الحكم ليس بمنطبق عليه، لأن الأئمة الذين ذكرنا -وغيرهم مما لم نذكر كثير- صحيح أن طلابهنم لم يجمعوا لهم فقههم وعلمهم في مكان واحد، ولكنهم لم ينسوهم، وإنما ذكروهم هنا وهناك، ودونوا آراءهم مما جعل لهم حضوراً واضحاً في كثير من ميادين العلم، ومرابع الفقه، ومجالات المعرفة.
وليس هذا حال الهيثمي لأنه -رحمه الله- كان شمعة تبدد الظلام، ولكنها ماذا تفعل والشمس ساطعة.
لقد أخملت شهرة العراقي كل مشهور، وقضت شمس سمعته على كل