فإن قيل: ومن ابن لكم ان الجماعات من اسلافهم ما شاهدوا ذلك ولا عاينوه كما ادّعوا؟ قيل له: من تأمل علم بعقله ان الامر كما قال صلّى الله عليه وسلم لا كما قالوا، لأن تلك الجماعات لو قد كانت شاهدت ذلك وعلمته لكان من لقيهم وسمع منهم في مثل حالهم في العلم بذلك، فكان يكون كل من لقي النصارى واليهود وسمع ذلك منهم عالما بذلك، فكنا نكون في مثل حالهم في العلم بذلك. ألا ترى أنا لما اخبرناهم بقتل حمزة وجعفر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم شاركونا في العلم بذلك وصارت حالهم في ذلك مثل حالنا، فلما رجعنا الى انفسنا فلم نجدنا عالمين مع مخالطتنا لهم وكثرة سماعنا منهم، علمنا انهم ليسوا بذلك عالمين، وأن اعتقادهم لذلك ليس بعلم. فبهذا الدليل علمنا صحة دعواه صلّى الله عليه وسلم وكذب دعواهم في انهم بذلك عالمين.
وبهذا الاعتبار تعلم رحمك الله بطلان دعوى من ادّعى من اليهود ان موسى صلى الله عليه شافه اسلافه الذين كانوا معه وهم ستمائة ألف رجل شاب سوى/ المشيخة والنساء بأن شريعته مؤيدة الى أن تقوم الساعة، وأنه لا يحل تغير شيء منها البتة وأن من ادّعى خلاف ذلك فقد كذب وكفر. وادعت اليهود انهم بذلك عالمون، فقلنا: لو كنتم بذلك عالمين، وكان اعتقادكم لذلك علما، وقد حجكم من لقيتم من اسلافكم لكنتم حجة على اهل زمانكم، وكان يعلم ذلك بقولكم وأخباركم كل من شرح ذلك منكم، فلما كنا بذلك غير عالمين فإن اعتقادكم لذلك ليس بعلم. ألا ترى أنّا وكل من يسمع منكم يعلم ان موسى عليه السلام كان يدّعي انه رسول الله، وأن الله اصطفاه وأرسله، وأنه صلى الله عليه كان يحرم الأمهات والبنات والأخوات والميتة والخنزير وذبائح الوثنيين، الى غير ذلك مما حرمه، وأنه كان يقيم السبت.
فلو كان ما ادّعيتم من تأييد شريعته لكان علمنا به كعلمنا بما قدمنا، بل