وقتلوا ملوكهم وادخلوهم طوعا وكرها في دين رسول الله وفي شريعته وادخلوا بلدانهم في بلدان الاسلام، ولم يكن لهم شغل إلا اعزاز دينه، وإقامة نصوصه، واحياء شريعته وبثها ونشرها وإظهارها، وإعزاز من اقام بدينه واذلال من تعرض لامانة شيء منه.
وكانوا بعد وفاته اشد بصيرة منهم في حياته، لأنهم كانوا في حياته يتكلمون على تدبيره، فلما مات، وصار الامر إليهم، زاد تيقظهم، فرفضوا كل راحة، وهجروا كل لذة، وقصدوا لإقامة نصوصه واحياء شريعته الى ان يلقوا الارض كلها بذلك؛ وما عندهم عمل ازكى من هذا.
وانما يظن ان نصوصه كانت تبدل وان كتابه كان يغير وان بننه كانت تلطم، الذي لم ينظر ولم يتدبر، وهو كمن قال انه صلّى الله عليه وسلم كان بالمدينة يضرب ويشتم ويداس بحضرة المهاجرين كما كان بمكة، وهذا لا يظنه إلا الغاية في الجهل بشأن المهاجرين والانصار.
فان قيل: او ليس قوم موسى قد عبد قوم منهم العجل في حياته وحياة اخيه هرون، فلم انكرتم ان يرتد المهاجرون والانصار عن دين محمد صلّى الله عليه وسلم، او ليس قد كانوا على ذلك قادرين؟
قيل له: إن هذا السؤال لا يسأل عنه من فهم ما قلنا، لأنا لم نقل:
ان هؤلاء ما ارتدوا من طريق التزكية لهم، ولا من طريق حسن الظن بهم، ولا محاباة لهم، ولا لأنهم ما قدروا على ذلك؛ بل قد كانوا على ذلك قادرين ولكنهم ما اختاروا ذلك ولا/ فعلوه، كما علمنا ان صاحبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما رجع عما كان عليه وان كان على ذلك قادرا، وان كان عدوه قد ادعى عليه انه رجع واظهر الشك في امره بقوله: «ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي