وهؤلاء الصحابة، فلو كان النبي صلّى الله عليه وسلم/ قد نص لما جاز ان يذهب علمه عنهم، أو لو قال قولا يحتمل تأويله هذا المعنى لما ذهب عنهم، فإن البحث والنظر والخوض يخرج خفيات الأمور ويذكر بغوامضها وبما قد تقدم عهده وزمانه، فكيف بالشيء الواضح القريب العهد، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حي بينهم، فكيف لم يقل علي للعباس: يا عم، أما تعلم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد نص علي وجعلني حجة على العالم واستخلفني وولديّ على امته الى يوم القيامة، وكيف نسيت مع قرب العهد، أو ليس قد قال:«من كنت مولاه فعليّ مولاه» ، و «انت مني بمنزلة هرون من موسى» ، وهذا نص واستخلاف. فإن كان امير المؤمنين علي رضي الله عنه نسي ان النبي صلّى الله عليه وسلم استخلفه كما نسي العباس فكيف لم يذكرهما الصحابة وهم يسمعون ما يجري، وهذا لا يخفى على متأمل، فقد وجدت رحمك الله عليا والعباس والصحابة قد اطبقوا على ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما نص ولا استخلف رجلا بعينه، ولا قال قولا قصد به هذا المعنى. فان قيل: ومن سلم لكم ان هذا قد جرى بين علي والعباس رضي الله عنهما؟ قيل له: إن هذا كالذي جرى في السقيفة وفي الشورى، لا يرتاب بذلك اهل العلم، والعجب انكم تقولون أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:«من كنت مولاه فعلي مولاه» وتنكرون مثل هذا وهو أصح، والعلم به اقوى، وما زال ولد العباس وولد علي من قديم الدهر يتذاكرون هذا الذي جرى من آبائهما في أنهما أصوب رأيا، ويخوض اهل العلم في ذلك، كالشعبيّ وعبد الرزاق «١» ، وإنما يذهب مثل هذا على معاند أو من لا نصيب له
(١) الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي الحميري (ابو عمرو) راوية من التابعين، وهو من رجال الحديث التقات توفي سنة ١٠٣ هـ. تهذيب التهذيب ٥: ٦٥ واما عبد الرزاق فهو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري (ابو بكر) من حفاظ الحديث التقات. له «الجامع الكبير» في الحديث. توفي سنة ٢١١ هـ، تهذيب التهذيب ٦: ٣١٠