يظن ان ابا بكر تقدم فصلى بالمهاجرين والانصار بغير عهد من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، من لا يعرف المهاجرين والانصار، وشدة بصائرهم، وإعظامهم لمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان يقوم فيه احد مقامه سيما في خاصته بغير امره.
وبعد فان مسجده في بيته ونصب عينيه، يسمع وهو في بيته صوت من في مسجده ويراهم، وأمره لأبي بكر/ بالصلاة بحضرة اصحابه، ويسمع ذلك جميع ازواجه وبناته وعماته، فقد كنّ في مرضه هذا اجتمعن كلهنّ عنده في بيت عائشة. وكان امره له بذلك مرة بعد مرة، فان الصحابة كانوا يدخلون في اوقات الصلاة فان وجد خفّا خرج معهم، وإلا قال لهم:
يصلي بكم ابو بكر. وكان في اول امره امر بذلك، قالت عائشة: يا رسول الله، إن ابي رجل أسيف «١» لا يستطيع ان يسمع الناس، فلو امرت غيره، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذلك ولم يجبها اليه، فاستعانت ببعض ازواجه عليه ليشفعها ويأمر غير ابي بكر بالصلاة، فردّهن رسول الله وغضب وقال:
يأبى الله والمؤمنون غير ابي بكر، إليكنّ عني صويحبات يوسف. فهذا الذي كان من عائشة فادعوا عليها ما لم يكن، وهذا شأنهم. ولقد قيل لعائشة لم كرهت ان يصلي ابوك بالناس في مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم وراجعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ذلك حتى غضب؟ قالت: ظننت بحداثة سني انه لا يطيق ذلك، وأن المسلمين يتشاءمون به.
وقد قال بعض العلماء في قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إليكن عنى صويحبات يوسف، ان اولئك النساء ظنن ان يوسف عليه السلام إذا دفع الى شدة
(١) الرجل الأسيف: الشيخ الفاني والسريع الحزن والرقيق القلب، انظر قاموس المحيط.