مأثم احب اليّ أن اتقدم قوما فيهم ابو بكر، ولكن انت يا ابا عبيدة ان شئت بايعتك، فقال ابو عبيدة لعمر: ما سمعت منك فهة «١» في الاسلام قبلها، اتقول هذا لي وفيكم الصديق وثاني اثنين إذ هما في الغار، وخليفة رسول الله، وقد أمّنا حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقال عمر: معشر الانصار، قد علمتم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قدم ابا بكر واقامه مقامه في الصلاة بالناس، فأيكم تطيب نفسه ان يتقدم علي من قدمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قالوا: معاذ الله أن نتقدم أبا بكر، فقال بشير بن سعد الانصاري ثم الخزرجي: قوموا الى خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فبايعوه، فانثالوا على ابي بكر ومدّوا يده فقبضها وقال: بايعوا عمر او ابا عبيدة، ودفعهم عن نفسه بجهده، وقبص يده فمدها عمر، فقال له ابو بكر: أنت أنت يا عمر، انت اقوى وأشد، فقال عمر: شدتي لك انت احق، انت خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، رضيك لنا؛ فما زالوا به حتى بايعوه.
فانظر الى طول هذه المراجعة بين المهاجرين والانصار وهم يطلبون ويفتشون ما يجوز في دين رسول الله/ صلّى الله عليه وسلم، ويرجعون الى أفعاله ووصاياه، ويبتغون مرضاته، هل تجد احدا منهم يذكر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نصا على رجل بعينه او ما يشبه النصّ او ما تأويله النص من انه كتاب الله او من حديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والعهد قريب وهو يوم موته، ولم يدفن بعد، وهذا موضع الحاجة الى ذكر ذلك؛ والمناظرة والمباحثة تذكّر بالأمور البعيدة وتخرج الغوامض فكيف بالأمر الواضح مع العهد القريب؟ وما أراد الانصار بالبدار الى إقامة امير يكون على الناس إلا الله، وإلا إحياء الاسلام