فأقر ابن عامر «١» ومعاوية وغيرهما فانهم يبايعون لك الناس، ويهدئون البلاد ويسكنونهم. فقال له: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي ولا وليت هؤلاء ولا مثلهم يولى، والله لا اداهن في ديني ولا اعطي الدني في امري.
وكان المغيرة هو الذي اشار عليه بهذا، فلما قدم ابن عباس من مكة استشاره امير المؤمنين فقال: ما ترى فقد اشار المغيرة بإقرار معاوية، فقال:
قد نصح لك يا امير المؤمنين فافعل واقبل، فقال: والله ما اشك ان ذلك خير في عاجل الدنيا لأصحابها، وما الذي يلزمني من الحق والمعرفة ألا اولي منهم احدا، فإن قبلوا ذلك فخير لهم، وإن ادبروا بذلت لهم السيف، وما علي إلا الاجتهاد. فقال له ابن عباس: خلنى اولّه ثم انزعه من غير نقصان ولا إثم، فقال: لا افعل، ما كنت متخذ المضلين عضدا، اخاف ان يظلم مسلما او معاهدا فأجده في صحيفتي، لا اوليه ساعة واحدة.
فراجعه ابن عباس فقال: لا يظلم، فقال: لا أشرك في امانتي الا من ارضاه.
فانظر الى هذه المكاشفة بالحق في جميع اموره لتعلم فرية من نسبه الى الخوف من المخلوقين وقولهم انه كان يقي نفسه بدينه. وكان رضي الله عنه اذا سئل المداراة وخوّف من/ الخلاف يقول: ابا الموت تخوفونني، فو الله ما أبالي سقطت على الموت ام سقط الموت عليّ، وكان يقول: عليّ آنس بالموت من الطفل بثدي امه، ومذ امره الله ونهاه ما رأى منكرا قط ولا
(١) يقصد عبد الله بن عامر بن كريز، عامل عثمان على البصرة