وصار من بلدان الاسلام كمولتان والمنصورة وغيرها من المدن والأمصار البحرية ما هو معروف، وشرحه يطول، ومن طلبه وجده. فقد اعتبر العلماء وأهل التحصيل فما وجدوا أحدا جاء مجيء نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم في الوحدة والفقر والفاقة ومنافرة/ الأمم كلها ومعاداتها، حتى ما اعتصم بمخلوق ولا صوب ملكا ولا جبارا كان في زمانه كما تقدم شرح ذلك، ثم صار أمره في القهر والغلبة ما صار أمره إليه. فإن ظاهر الأمر وموجب التدبير والعقل أن ذلك لا يتم ولا يكون، وأنه هو المغلوب المقهور المقتول إلا أن يكون من قبل الله الذي لا يغلبه شيء. فإن أمره صلّى الله عليه وسلم كان كريشة دفعت الجبال فسيرتها وطيرتها، أو كزجاجة وضعت على الجبال فطحشتها وسوتها بالأرض. فتأمل هذه الآية العظيمة، وكل آياته عظام.
وما قلنا إنه نبىّ لأن دعوته قامت ودولته اتسعت، ولكن لما قدمنا وشرحنا من وحدته وفقره وتبرئه من الأمم وإكفارهم وإسخاطهم كما قد فسرنا غير مرة، ومجيء ذلك كما قال وأخبر من أنه مع هذه الحالات سيظهره الله عز وجل، وقد علم ذلك من سمع أخباره ودعوته باضطرار، أنه أخبر بذلك جميعه في أول أمره قبل أن يكون شيء «١» منه وأن الأمر كان كما أخبر.
ومعروف من سيرته أنه صلّى الله عليه وسلم كان يعرض نفسه على القبائل وفي المواسم ليتبعوه، ويشرط عليهم في دعوته عداوة الأمم كلها ومحاربة الملوك، فيقال له:
إن الكسور من ملوك الفرس لا ترضى بهذا ولا تصبر عليه ولا نحن من رجال معاداتهم ومعاداة غيرهم من الملوك، فيقول: أرأيتم إن منحكم الله ملكهم وأفرشكم نساءه أتطيعونه وتعبدونه؟ فيتعجبون من هذا القول، ويقول