للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضهم لبعض: ما هذا إلا مجنون واحد وحده لا يغلب على دار بمكة وقد ناصبه قومه وهو/ يقول هذا، ويقول بعضهم ما هو إلا عاقل، فإن كان رسولا لله كما قال فسيكون ذلك، فيقال: بمن يكون هذا، وأين خزائن الملوك وعساكرها وغضبها لملكها وأنفتها وكبرياؤها ونخوتها حتى يترك هذا يغلبها، ولهذا قال الله تعالى: «وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا» «١» .

ولشهرة هذا القول منه قبل أن يتلو به القرآن، أنه عليه السلام لما توفي وارتدت العرب، جال أهل مكة جولة، وهمّوا بالردة، فاستخفى عتّاب بن أسيد عامل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على مكة «٢» ، فقام سهيل بن عمرو فيهم خطيبا ونهاهم عن ذلك، فقالوا: محمد قد مات والناس قد رجعوا عن دينه، فقال لهم سهيل: إن يكن محمد قد مات فإن الله لم يمت. وقد علمتم أني أكثركم قتبا في برّ وجارية في بحر، فأقروا أميركم، وأنا ضامن إن لم يتم هذا الأمر أن أردّها عليكم جذعة وإن كنت أعلم أن هذا الدين سيمتد من طلوع الشمس إلى غروبها. قالوا ومن أين علمت، قال: إني رأيت رجلا واحدا وحيدا لا مال له ولا عزّ، قام في ظلّ هذا البيت فقال: اني رسول الله، وإني سأظهر، فكنا بين ضاحك وهازل وراجم ومستجهل، فما زال أمره ينمى ويصعد حتى دنّا له طوعا وكرها، والله لو كان من عند غير الله لكان كالكسرة في يدي أي فتى من فتيان قريش، وإن هذا، وأشار إلى أبي سفيان، ليعلم من هذا الأمر مثل ما أعلم، ولكن قد ختم على قلبه حسد بني عبد المطلب.

وسهيل بن عمرو هو أحد رجال قريش وعقلائها وخطبائها وذو الرأي


(١) القصص ٥٧
(٢) هو عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، من أشراف العرب في صدر الإسلام، أسلم يوم فتح مكة واستعمله النبي عليها عند خروجه إلى حنين سنة ٨ هـ. وبقي واليا عليها إلى في خلافه عمر، توفي سنة ١٣ هـ.