للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المال ذخرا ليكون إن كان، فقال له: كلمة ألقاها الشيطان على لسانك، أما إنها لن تضرني ولكنها فتنة لمن بعدي، يدّخر لكون إن كان تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله، وقسم المال ولم يقبل منه. وكان يأخذ عماله بإنصاف الناس ورعايتهم وخدمتهم وأن يعودوا العبيد والضعفاء إلى غير ذلك مما يطول.

ولما انكشف ملوك الروم من الشام ومصر، واحتجزوا من المسلمين بالمضايق والدروب، أخذوا في مداراته ومراسلاته، وطمعوا في كفه واستعطافه بالرفق، فكانت رسلهم ترد المدينة مع نفر من المسلمين في ثغورهم، فلا يرون له قصرا ولا منزلا يتميز به من سائر الناس، بل يرون منازلهم كقامة رجل من جريد النخل، وربما لم يجدوه في بيته ولا في مسجده، فيسأل المسلمون الذين معهم: أين/ أمير المؤمنين؟ فيقولون: ها هنا كان آنفا وما ندري أين مضى، فيمشون مع رسل الروم يطلبونه في المدينة فيجدونه وحده في طرف من الأطراف مشغولا بشأن المسلمين، فيقول الروم للمسلمين: هذا الذي أخرج الروم والفرس من ممالكها، لا قصر له ويمشي وحده حافيا، أما يخاف هؤلاء الملوك؟ فيقول المسلمون لهم: هو أعز على المسلمين من ذلك، فيرجعون إلى ملوكهم بخبره، فيسألون بينهم وفي حكمائهم، هل رأوا وبلغهم أن سلطانا بهذه «١» العزة والغلبة قام بدرّة ومرقّعة، فيقولون: لا، ما سمعنا ولا ظننّا ولولا أنا رأينا ما صدقنا.

وقد كان يزدجرد بن شهريار ملك فارس قال لرستم صاحب جيشه وقد سأله رستم عن النعمان بن مقرن والذين كانوا معه وكيف رآهم، فقال له يزدجرد: ما ظننت أن في العرب أمثالهم، ما تقصر عقولهم عن عقول فارس، وجدتهم على بصيرة ويقين من أمرهم، ولقد وعدوا أمرا لا ينتهون عنه أو


(١) في الأصل: بهذا