يبلغوه أو يهلكوا. ولما ظفر سعد برستم، وهزم جيوش الفرس، صار إلى المدائن، وهرب يزدجرد إلى نهاوند، كان يجاري خواصه، ويكثر تعجبهم من ضعف العرب وغلبهم الجبابرة الأقوياء أهل الملك القديم والتدبير السديد من الروم والفرس، وشدة جرأتهم عليهم وإقدامهم عليهم في وقت واحد، لا يكون لهم عندهم من الهيبة ما يصمدون لملك ملك حتى إذا افرغوا منه تفرغوا لغيرة، بل تفوقوا عليهم كأنهم ملك واحد أو سلطان واحد فأصابوهم، مع سوء التدبير واطراح الحزم خلافا لما يفعله حزمة الملوك، فيقول يزدجرد: ما أظن صاحبهم إلا رسولا لله كما ادعى، فلو لم يكن من/ آياته إلا طاعة العرب له وقد كانوا منتشرين يأكل بعضهم بعضا.
وانما رماهم يزدجرد بن شهريار بسوء التدبير وسوء الاختيار، أنهم قصدو الملوك كلهم، وأثاروا أهل الأرض كلهم على أنفسهم ضربة واحدة، وما هكذا كانت تسير الملوك، بل كانوا يقصدون لبعض الوجوه ويدارون غيرها، ويتقون كل جنبة جنبة منه، هذا قول يزدجرد بن شهريار.
وسار يزدجرد بن شهريار من نهاوند إلى فارس، ورتب عماله وأصحابه في الممالك كلها، وأنه يستثير بالفرس كلها بخراسان ويستنصر بالترك ويرجع، فيخرج العرب من ممالكه، ويصير الى بلادهم فيقتل عمر ملكهم ويستأصلهم. وخرج من فارس إلى سجستان، ومنها الى مرو، ومنها الى خاقان ملك الترك، واستنصره وصاهره، وعيونه وجواسيسه تختلف الى العرب، ورسله إلى الملوك في ممالكه، يشدّ منهم ويأمرهم بجهاد العرب، ويعدهم بنصرهم والرجوع إليهم، وهم يعذلون الفرس والمجوس الذين ادّوا الجزية وصبروا على العرب، وكانت العرب وملك المسلمين احب اليهم من ملوك الفرس لما قدمنا، ولأن ملوك الفرس كانوا يسمون أنفسهم الأرباب وغيرهم