للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان قال لعامله على أذرعات «١» وقد قدم عليه، وعلى عمر قميص من كرابيس، فقال لعامله: خذ هذا فاعتله وارفعه، ففعل، وقطع عليه قميصا قبطيا فأتاه به وقال: هذا قميصك وهذا قميص قطعته عليه لتلبسه، فمسه فوجده لينا فقال: لا حاجة لنا به. ولما قدم دمشق وصار في يوم الجمعة نام عمر فجاء عامله على دمشق فسألهم/ ما يريد أمير المؤمنين أن يلبس إلى الصلاة، وهل يلبس غير لباسه الذي كان عليه، قالوا: لا، ما يلبس غيره، فكره ذلك عامله وخاف أن تزدريه البطارقة وملوك الشام بعد هيبته في صدورهم وصوته فيهم، فأمرهم عامله أن يغسلوا قميصه، فإنه إذا قام من نومه فوجده رطبا لم يلبسه أعطيناه غيره فلا يجد بدا من أن يلبس. فلما انتبه عمر [و] «٢» أراد أن يمضي إلى المسجد للجمعة دعا بقميصه فوجده رطبا قد غسل، فلامهم «٣» في ذلك، قالوا: نأتيك بغيره، قال: لا ألبس غيره؛ فعصره ولبسه وصعد المنبر وقد كان أبطأ من أجل القميص، فجعل يعصر ما بقي فيه من الماء وهو على المنبر، ويمدّ كمه فلا يبلغ أصابعه، وهو قميص غليظ، وقال لهم: إنما حبسني أن قميصي هذا غسل، فلما نظروا اليه وإلى هيبته أقبلوا يبكون وينتحبون من كل ناحية ويقولون: ولا رهبانية ابن مريم، ولا رهبانية ابن مريم، مرتين، ما رأينا ملكا في رهبانية أعجب من هذا.

وقال الروم: هذا الذي غلب فارس والروم وأخذ كنوز كسرى وقيصر، فقال عامل عمر: فكان والله الذي فعل أهيب في صدورهم وأبلغ مما أردنا، وجاءت هيبة الدين والتقوى.


(١) بلد في أطراف الشام معجم البلدان ١: ١٣
(٢) زيادة مني اقتضاها السياق
(٣) في الاصل: لامهم