ليظهره على الدين كلّه، وقد ظهر وغلب، فصار أعزها وأظهرها وأقواها، فقد استوفى الخبر شرطه؛ ومع هذا فقد فرض الجهاد على أمته إلى يوم القيامة، فدلّ أنه تبقى من الشرك بقية، فقد أحدق الصدق بكل ما قالوا، فما هاهنا عيب يكون لطاعن.
فإن قيل: إن الرّوم/ قد ارتجعت أكثر ممالكها التي أخذها المسلمون منها، حتى لو قدّر ما ارتجعوه من جزائر البحر وما في البر من الثغور الشامية والجزيرية وأرمينية وأذربيجان، لكان يكون في الكوفة إلى بخارى بلدان عامرة، ثم من بالاحساء والمغرب وما يلي المغرب إلى أن يقارب العراق يعتقدون عداوة الأنبياء كلّهم ويخصون نبيّكم محمدا بفضل عداوة، ويجردون في القصد إلى إماتة شريعته واستئصال دعوته كما قد عرف ذلك من تصفح واعتبر، وكما لهم من الآثار في قتل المسلمين والحجّاج، وغزو مكة والكوفة والبصرة وباليمن وبالشرق والغرب، وإن تستروا بالباطن، فكيف يكون الآن ظاهرا على الأديان كلها.
قيل له: إنه لو ارتد جميع أهل الدين حتى لا يبقى عليه أحد من الناس كلهم، لما قدح ذلك في الخبر الذي خبر أنه يظهر على الأديان كلها، لأن ذلك الخبر وتلك المعجزة قد صارت إلى ما قال وكما أخبر، فظهر على الأديان كلها فلما استوفت شرائطها وانتهت إلى حدودها فما قصرت عن شيء قاله عليه السلام أو شرطه.
ثم في غلبة الروم والقرامطة وغيرهم من أعداء الاسلام على ما غلبوا دلالة أخرى على نبوته عظيمة، فإنه قد مرّ، أن بعد مضي أصحابه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وفي آخر الزمان، ستضعف بصائر أهل ذلك الزمان، ويكرهون الموت، ويشتد حبهم للدنيا وحرصهم على البقاء، فسيظهر عليهم