للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدوهم ويغلبهم. والأخبار في ذلك أصح وأقوى من كل قويّ، وهي كثيرة، ومجيئها كمجيء القرآن، حتى أنه صلّى الله عليه وسلم حين وقت المواقيت، وقت ميقاتا لأهل العراق والعراق إذ ذاك في أيدي الفرس، ووقت ميقاتا لأهل الشام والشام إذ ذاك في يد الروم، وكذا غيرها من الأمصار، وذكر ظهور أمته عليهم واستقامة/ الأمور لهم، ثم ذكر اضطرابها، حتى يقول: ومنعت مصر أردّبّها ودينارها، ومنعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام كذا، حتى يجيء في الأثر، ليخرجنّكم كما أخرجتموهم كفرا كفرا، يعني بلدا بلدا وقرية قرية، لأن أهل الشام يسمون القرى الكفور، فيقولون: كفر طاب وكفر ثوبا وكفر كذا لقرى كثيرة. حتى يذكر آخر الزمان، وان الأمم تتمالأ على أمته كما تتمالأ الأكلة على قصعتها، فقيل يا رسول الله أمن قلة يؤتون، فقال: لا، إنهم أكثر ما يكونون ولكن الوهن والفشل، فقيل: يا رسول الله ما الوهن والفشل، قال: حبّ الدنيا وكراهة الموت «١» .

وقد وجد أهل الاعتبار ذلك، فإن بابك الخرّمي صاحب الخرميّة من البذ من أرمينية وأذربيجان، ابتدأ في أول أمره وتستر بأنه من المسلمين ويدعو إلى الاسلام وإلى المهدي من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، «٢» فلما قوى وظهر كان من أمره ما هو معروف، فكدّ السلطان في زمانه وأتعبه، فكان المعتصم ابن الرشيد، فأرسل با بك إلى ملك الروم وهاداه ولاطفه وتقرب إليه ببغص الاسلام والمسلمين، وأنه إنما تستر بالاعتزاء إلى المهدي حيلة عليهم وسخرية منهم، وقال: إني قد شغلت ملك العرب عنك فما يتفرغ لغزوك فإن فرغ


(١) للاطلاع على نموذج من هذه الأحاديث التي تكلم فيها الرسول عليه السلام عن البلاد التي سيفتحها المسلمون وعن مستقبل الاسلام، انظر فيض القدير للمناوي ٤: ٩٦- ١٠٢
(٢) امتدت فتنة بابك الخرمي زمنا طويلا في عهد المأمون والمعتصم وكان خروجه سنة ٢٠١ ومنتهاه سنة ٢٢١ هـ.