مني تفرغ لك، فانتهز الفرصة لتنهنهه عني وأنهنهه عنك، ففعل ملك الروم ذلك، وسار حتى فتح ربطره وكان له من الأثر في المسلمين ما هو معروف.
وكان له مع صاحب الزّنج من الحرب مثل ذلك أيام المعتمد، فإن صاحب الزّنج شغل السلطان عن ملك الروم فأعانه ملك الروم، وانتهز الفرصة وسار فأخذ لؤلؤة من أيدي المسلمين، وهي بلد عظيم ومصر جليل.
وكان صاحب الزنج يدّعي أنه المهدي، / وآثاره معروفة، وسيرته في المسلمين معلومة في أن آمنهم ثم قتلهم بعد الأمان وقتل الأطفال، إلى غير ذلك.
وكان يذكر أنه علويّ، ولقد أخذ أبا يعقوب الشحام فقال له «١» : لم لا تجيء أنت وأصحابك فتجاهدون معي وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، ولكنكم معشر المعتزلة منافقون تقولون بما لا تفعلون، فقال له أبو يعقوب:
أجيب عن هذا وأنا آمن، قال: نعم، قال: أنا آمن قبل الجواب وبعد الجواب على نفسي وأهلي ومالي، قال: نعم فتوثق منه ثم قال له: أخبرني أيّما خير، أنت أو عليّ بن أبي طالب، قال: بل عليّ، قال: فأيما شر من عاداك أو عادى عليّ بن أبي طالب، قال بل من عادى عليّا. قال:
فهل بلغك أنه آمنهم ثم قتلهم، لقد حاربوه فما قتل لهم أسيرا ولا أجهز لهم على جريح ولا اتبع لهم موليّا ولا سبى لهم ذرية ولا هجم لهم على منزل، ولقد كانت الخوارج مقيمة معه فما بدأهم بحرب وهم يكفرونه، فقد كان ينبغي أن تسلك سبيله لأنك أنت تدعي أنك من شيعته، فقال له: لولا أني قد آمنتك، ولولا ما بيني وبينك لقتلتك. فقام أبو يعقوب وخرج وهرب ولم يأمنه. وقد كان صاحب الزنج قبل أن يملك البصرة يغشى العلماء ويجلس إليهم
(١) من كبار رجال الاعتزال انظر المنية والأمل (طبقات المعتزلة لابن المرتضى)