للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اذا أحبّ الشيء ذهب مكبّا على وجهه فلم يتثبت، فتبصر عينيه ولا يصغي فيسمع قول من ينصح له، وقد قال الله عز وجل «فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً» »

، والنذير لا يفعل فيهم النفور، ولكنهم لما نفروا عند إنذاره نسب نفورهم إليه، وهذا من الاستعارة الحسنة، وهو معروف في اللغة.

فسلامته صلّى الله عليه وسلم منهم وهذه حالهم وحاله كمن قال: الدلالة على صدقي أني أخوض هذه النار العظيمة وألبث فيها وأخرج منها سليما، فهذه كانت حال رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع هذه الأمم، فإنه أقام بعد ادعاء النبوة بمكة خمسة عشرة سنة بين هذه الشدائد المتوالية والأهوال المتصلة، وهو يخرج إلى المواسم، ويقوم في المحافل، ويبرز إلى القبائل، ويعرض نفسه، ويذكر ما يدعو إليه، وهو وحده ومعه أبو بكر الصديق أو أبو بكر وعليّ/ بن أبي طالب.

وقريش ترصده وتتبعه برجالها ودهاتها في التنفير عنه والصد عنه، فأين كان أبو طالب، وكم يكون أبو طالب مع هذه القبائل والعشائر وهم يتوعدونه وهو لا يلين ولا يفتر.

ولقد كان عمه أبو طالب يعزله فيما أتاه من مخالفة دين آبائه ويسأله أن يكف عنهم وأن يلين لهم، ويضرع له ويطاوله ويدبره في كل جهة، ويخوفه بأسهم «٢» وسطوتهم وأنه لا يأمن قبلهم، فلا يلين، ويقول يا عم:

ما كان لي أن أراهن في أمر الله، حتى يبكي صلّى الله عليه وسلم من طول معاتبة عمّه له ويقول: ما كنت لأفعل. فإذا قال له إني أخاف عليك منهم، إني غير آمن عليك مكر قريش وإن دافعت عنك، فيقول صلّى الله عليه وسلم: إن ربي قد ضمن لي


(١) فاطر ٤٢
(٢) في الأصل: بأسه، ولعل الصحيح ما أثبتناه