للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صرفهم عني، فيقول أبو طالب: يا ابن أخي، ما اطوع ربك لك، فيقول:

له: وأنت يا عم لو أطعته أطاعك.

وقد مات أبو طالب، وأقام صلّى الله عليه وسلم بعده وهو على شدته عليهم، وأشد بكثير مما كان عليه في حياة أبي طالب، وغيظهم أشد. فإن القرآن كان يتوالى نزوله بما يكرهون، فيجيب من يجيب منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فيتضاعف غيظهم، ويتجدد عزمهم على قتله واستئصاله، فيجدّون ويشمرّون ويسعون ويرهجون فلا يغني عنهم كيدهم شيئا، «وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ» «١» .

ولقد كانوا يمكرون به المكر العظيم، كما قال الله تعالى: «وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» «٢» وما كان ليقول هذا عنهم والعدو والوليّ يسمعه إلا وهو كما حكاه عنهم.

وفي هذا المعنى يقول عز وجل: «مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ» «٣» أي من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا في الدنيا والآخرة ولن يفي له بما يدعي محمد عليه، فليجتهد جهده، وليستفرغ وسعه في استئصال محمد وإطفاء نوره وطلب كذب يكون/ منه، ثم لينظر هل يجد ما يشفي غيظه، فإنه لا يجد ذلك، بل يجد ما يضاعف غيظه، وهذا أيضا من تلك الأبواب التي تبعث على قتله وتذكر باستئصاله.

وكم كان يلقي من يجيب رسول الله من الذل والضرب والهوان والتجويع


(١) فاطر ١٠
(٢) ابراهيم ٤٦
(٣) الحج ١٥