والتعطيش والجفاء والسبّ وأصناف المكاره التي يطول شرحها، وهي مذكورة في مواضعها، معروفة لا يشك أهل العلم فيها. حتى يكون مثل عثمان بن عفان مع كثرة ثروته وصلته لأرحامه وشرف رهطه وحلمه وأناته لا يمكنه المقام بمكة، ففر إلى أرض الحبشة ومعه رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وكذلك جعفر بن أبي طالب وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين. وفر الزبير مع شرفه وشجاعته، ومن شئت من الوجوه والأشراف فما أمكنهم المقام وهذه حالهم، فكيف بالموالي والفقراء وقريش تطلبهم، وتعبر البحار في طلبهم، ويكون لهم مع النجاشي ما هو معروف.
ومن هاجر إلى المدينة اتبعوه، فإن وجدوه في الطريق ردوه قهرا، وإن وجدوه في المدينة خدعوه وسألوه زيارة أهله وعطفوه على أبويه ورغبوه في صلة رحمة وأمنوه على نفسه ودينه ما أقام معهم، فكم ممن أجابهم واغتر بهم لما ردوه صفدوه بالحديد وعذبوه، ومن أحسّ منهم بولده قد أسلم قيّده، كما فعل سهيل بن عمرو بابنه أبي جندل بعد الهجرة، وكما صنع أبو أميمه سعيد بن العاص بابنه خالد بن سعد، فإن أبا بكر الصديق لقيه وعرفه حسن الاسلام، فأجابه، فعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه جماعة فأخبروه أنهم لا يجدونه، فقال: الطائف، فجاؤوا الطائف فلم يجدوه، فأخبروه أنه يكون بأعلى مكة في شعب أبي ذر قائما يصلي، فأتوا به إلى أبيه، فأنّبه وبكّته وضربه بمقرعة/ في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال له: اتبعت محمدا وأنت ترى خلافه قومه، وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم، وزعمه أن للناس بعد موتهم دارا يدخلوتها فيخالدون فيها، فما أعجب هذا. وأخواته وأهله يشهدون، بل هم ردوه إلى أبيه، فقال خالد قد اتبعته وصدق والله محمد. وحاجّه ابنه، فغضب أبو أحيحه ونال من ابنه وشتمه، وقال: اذهب