يا لكع حيث شئت، والله لأمنعنك القوت، قال: إن الله يرزقني ما أعيش به، فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت. فخرج خالد، فلقيه أبو سفيان صخر بن حرب فقال: قد فعلتها يا خالد، ما شكرت أباك، ولقد هدمت شرفك الذي ينالك، فقال خالد: بل عمرت ذلك الشرف، قال أنت غلام حدث، لو بسط عليك العذاب لأقصرت،
وصار خالد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكان يلزمه، وجعل من لقيه من فوقه يؤنبونه، ويستقصرون فعل أبيه وتركه له، وأنه قد كان ينبغي له أن يبسط عليه المكروه ويواليه عليه. فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا أحيحة، ما أدري أضعفت أم ضجّعت الرأي أو أدركتك المأقة «١» ، قال: وما ذاك، قال: تركت ابنك يتبع محمدا أو أنت سيد قريش وكبيرها والمطاع فيها، فيتجرأ علينا شبابنا ويقولون: هذا ولد أبي أحيحه قد أسلم ولم يصنع به شيئا، فقال لا ما ضعفت، إني لأقوى قريش نفسا وأكثرها عددا ومالا. وأما قولك: ضجعّت الرأي، فما الرأي عندك في أمره، قال حبسه والتضييق، فقال: والله ضربته حتى كسرت العصا على رأسه، وحرمته القوت، فهذا أشد الأمور عليه، فلم أره حفل بواحدة منها. وأما قولك: المأقه، لقد غاظني أمر محمد أنه أوسطنا نسبا، وأنه نشأ فينا/ كأحسن ما نشأ به أحد من الشباب من حسن الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق، فجاء بدين محدث، فرق جماعتنا وشتت أمرنا وأذهب بهاءنا واجترأ علينا. وأخرى إن صدقني ظني- وهو صادق- أنه خارج إلى قوم يقوي بهم ثم يدخل بهم عليكم. قال أبو جهل: لا تقل هذا، فما الفرج لنا إلا في اخراجه وتحويله عن ديارنا، فإنه إن خرج عادت إلفتنا، وعدنا لديننا
(١) جاء في اللسان: ضجع في أمره واضجع وأضجع: وهن، والضجوع: الضعيف الرأي والمأقة: الأنفة وشدة الغضب والحمية، ونكث العهد من الأنفة.