والمقاربة للمشركين ولأعداء الدين، وأن الانبياء يمدحون المشركين ويزكون اعداء الدين ويظهرون ذلك، ويذمون المؤمنين ويتبرؤون من الأنبياء والمرسلين خوفا من المشركين، ويزعمون ان حجتهم في ذلك فرار رسول الله صلّى الله عليه وسلم واستتاره في الغار ثلاثة ايام «١» . وقد بيّنا انه لا حجة لهم في ذلك، بل هو الحجة عليهم، وأن الذي اخرج الانبياء الى الفرار شدة المكاشفة، وترك المقاربة، وقائل هذا لا يثق بأفعال الأنبياء وأقوالهم، ولا بتزكية من زكوه، ولا بلعن من لعنوه، لأنهم قد قالوا انه قد يجوز ان يكون ظاهر الانبياء بخلاف اسرارهم وضمائرهم، وأيضا فان الأنبياء لا يجوز ان يكون ظاهرهم بخلاف باطنهم وإن خافوا وإن قتلوا، وهذا اصل كبير فاعرفه.
فإن قيل: ادعيتم ان اعداء نبيكم من قريش والعرب واليهود والنصارى حرضوا على قتله وهو بمكة، وهو في تلك الحال من الوحدة والذلة وضعف الاتباع، فمن اعطاكم هذا، ومن سلمه لكم؟
قيل له: ان من سمع اخباره واخبار القوم معه يعلم ذلك، علما لا يرتاب به، كما يعلم انهم قد كذبوه وعادوه واغضبهم ما اتاه وشرعه ودعا اليه، ولا فرق/ بين من قال: انهم ما حرضوا على قتله، وبين من قال: ولا كذبوه ولا عابوه ولا برئوا منه، ولا انكروا شيئا اتى، ولا خالفوه، وادعى انه هو ايضا ما خالفهم، ولا عاب اديانهم وآلهتهم، ولا ادعى النبوة، ولا خالفهم في البعث والنشر.
وقد حرضوا ايضا على ذلك وهو بالمدينة، واعداؤه فيها معه من العرب