واليهود والنصارى وهم كثير ونزول بالمدينة وحولها في آطامهم وحصونهم محدقون بها كالإكليل، وقد غدروا به، وارسلت قريش اليهم في ذلك، ودست غير واحد، وكان من عامر بن الطفيل وأزيد في الاحوال التي كان يكون فيها وحده فيصرفهم الله عنه بألوان الصرف، كما صرف ابا جهل وعقبة بن ابي معيط والذين كانوا بمكة، كما هو مذكور. وكم دسوا له السم في الطعام فصرفه الله عنه، وقد راموه منه في طول حياته، وقد كان معهم وهو بالمدينة في التبذل والتفرد والتطرح اكثر زمانه، على مثل حاله وهو بمكة. وانما كان يكون في جماعة في اسفاره وفي حروبه، فأما بيوته وحجرات نسائه فمن جريد النخل، وقد علم اهل العقل والتحصيل الفتك بجبابرة الملوك في حصونهم وقصورهم وهم وراء الابواب الحديد، وقد تحرزوا بصنائعهم المشاركين لهم في نعمهم بعبيدهم، كصنيع شيرويه بكسرى ابرويز «١» ، وقبله من ملوك فارس من كانت هذه سبيله. وكما جرى على المتوكل من المنتصر، ثم على ولده، الى ما جرى من الفتك بمحمد بن المعتضد/ المسمى بالقاهر بالله، الى المتقي، والى المستكفي، والى ما جرى بالإحساء على ذكيره الاصفهاني من جنوده واعوانه سنيّ نيف وخمسين وثلثمائة للهجرة في جوف داره واحصن قصوره، وحوله وفي حجرته ومعه ممن له نوبة في حراسته وحفظه من الرجال المتسلحين اكثر من الفين، فقتل وحده من بينهم، ورفع رأسه.
(١) يقصد الاشارة الى ما صنعه شيرويه في سبيل الحصول على الملك، اذ شارك في قتل ابيه كسرى أبرويز وكان من اعظم ملوك فارس، وقد عاصر الرسول كليهما وكانت هجرته عليه الصلاة والسلام ايام كسرى ابرويز. انظر الطبري. ثم ما كان يفعله الخلفاء العباسيون في سبيل الوصول الى الحكم من قتل آبائهم او اخوانهم او اقاربهم. وكذلك ما فعله خادم ذكيره (ذكرويه) الاصفهاني القرمطي من قتله.