هذا فإنه باب من أعلامه، ولا تظنه من أخبار الآحاد والنفر، وإنه جاء مجيء ما قدمنا ذكره من تلك الأمور التي جاءت مجيء القرآن، ولها نظائر.
وإنما أردنا ذكر شدة قريش على رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين تلك السنين، فقد كانوا منهم في مثل النار المتأججة.
واستأذن الصحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الهجرة والفرار لما يلقون من الأذى، فأذن لهم، غير أبي بكر، فإنه احتبسه لنفسه، وقال له: أقم عليّ، فلعل الله يأذن لي في الهجرة فتكون معي، فأقام. ومات أبو طالب، واشتدت قريش على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقالوا: إلى كم نصبر على سبّ محمد لنا ولآبائنا وآلهتنا، وإلى كم لا نناجزه، فإما حبسناه، أو أخرجناه إلى حيث نرى، أو قتلناه، خذوا فيما يريحنا منه، وقدموه ولا تؤخروه. فاجتمعوا ودخلوا دار الندوة، وكتموا سرهم، ولم يدخل معهم إلا من انتخبوه من ثقاتهم. فقال قائلهم: انظروا في شأن هذا الرجل، فو الله ليوشكنّ أن يواتيكم في أمركم بمن قد بايعه من أصحابه، وقد تسمعون وعيده، وأنه يملككم ويملك الأرض. فقال قائل منهم: شدوه وثاقا واحبسوه، فيكون أسيرا في أيديكم إلى أن يموت، وقال بعضهم: أخرجوه من بين أظهركم لتستريحوا منه؛ وقال قائل ليس هذا/ برأي. حتى قال أبو جهل: فإني أشير برأيي: أرى أن يؤخذ من كل قبيلة غلاما شابا، ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما، فيضربونه ضربة رجل واحد حتى يقتلوه، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن بني هاشم يقومون على حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فوديناه لهم «١» ، وقطعنا عنا شأفته واسترحنا منه.