للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن لم يصدقه، منهم جبير بن مطعم «١» ، فإنه كان عنده أنهم سيقتلوه، فخرج حتى لحق بدير من الديارات فكان فيه حتى لا يشهد قتله. فأقام عندهم، فسألوه عن خبره ولأي شيء أقام عندهم، فأخبرهم، وقص عليهم قصة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وساق دعوته. فعجبوا لذلك، وقال له رئيسهم: تعرف شبهه لو تراه مصورا، فقال: نعم، إنما عهدي به قريب. فأراه صورا مغطاة، فجعل يكشف صورة صورة فيقول: أتعرف، فيقول: لا، حتى كشف عن مثل صورته، فقال جبير: ما رأيت شيئا أشبه بشيء من هذه الصورة به، كأنه طوله/ وحسنه وبعد ما بين منكبيه. فقال له الرئيس: فتخاف أن يقتلوه، فقال:

أظنهم قد فرغوا منه، فقال له الرئيس: لا والله لا يقتلونه، وليقتلن منهم من يريد قتله، وإنه لنبي، وليظهرنّه الله، ولكن قد وجب حقك علينا فامكث ما بدا لك. فمكث عندهم حينا.

ثم قدم مكة، فوجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد نجا من أيديهم وهرب إلى المدينة، فتعجب من قول رئيس الدير، وازداد بصيرة بشأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقالت له قريش حين قدم مكة وقد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونجا من كيدهم: قد تبين لنا أمرك، وعرفنا شأنك، هلم أموال الصبية التي عندك التي استودعكها أبوك، قال: ما كنت لأفعل هذا حتى أموت، يعيّر بها ولدي في أمانة، ولكن أدفعها اليهم. فقالوا: إن عليك عهدا لله وميثاقه لا تأكل من طعامه، قال:

نعم.

فقدم المدينة وقد بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم الخبر، فدخل عليه فقال له فيما


(١) هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي، صحابي جليل، كان من علماء قريش وسادتها ونسابتها، روى الحديث عن رسول الله. توفى سنة ٥٩ هـ. الأعلام ٢: ١٠٣