للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كثرتهم ووحدته، وصدقت وعدي بمنعي عنه وعصمتي له، وأكذبت أقاويلهم، وهو معنى قوله: «وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا» فتأمل هذا ففيه آيات بينات باهرات، وهذا الخطاب والعذل والاستزادة إنما هي للمؤمنين. ألا تسمع قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» . وأيضا فلا يجوز أن يقول للعدو: «إلا تنصروه» .

ولقد قال العلماء من السلف: إن الله أفرد أبا بكر الصديق بفضل الصبر على جميع المؤمنين من غير تأثيم لهم، كأنه يقول: لو صبرتم مثل صبره ولم تترخصوا لكان ذلك أفضل، فإن أبا بكر يفضل صبره عليهم. وقوله:

«لا تحزن» ليس بنهي، وإنما هو بشرى، كقوله لموسى وهرون: «لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى» «١» وكقوله لأم موسى: «وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ» «٢» وقوله: «إن الله معنا، بالنصر والتأييد، كما قال: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» «٣» . وأبو بكر في هذا الحزن ممدوح لأنه خاف على رسول الله صلّى الله عليه وسلم الأذى والعنف من المشركين، فجازاه الله بأن بشره أنه/ معهما بالنصر والتأييد. قال أهل العلم في قوله: «فأنزل الله سكينته عليه» ، يعني على أبي بكر، فأما النبي صلّى الله عليه وسلم فقد كانت السكينة عليه قبل ذلك.

ومن حديث عبد الملك بن عمير، عن أسيد بن صفوان، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال وهو يثني على أبي بكر حين توفى: كنت ثاني اثنين، وصاحبه، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة والمواطن الكريمة. وقالوا


(١) طه ٤٦
(٢) القصص ٧، وفي الأصل: لا تخافي إنا رادوه ...
(٣) النحل ١٢٨